مدخل النظم في دراسة علاقة الدولة بالمجتمع والاقتصاد



المبحث الأول :- المالية العامة في المجتمع الرأسمالي

المبحث الثاني :- مفهوم المالية العامة في الدول الاشتراكية

المبحث الثالث :- مفهوم المالية العامة في الدول النامية

التمهيد :-

       ان الدولة في صورتها الحالية هي نتيجة تطور تاريخي طويل تميزت كل مرحلة من مراحلها باهداف معينة تتفق ومصالح المجتمع ، ويعتبر تغير الانظمة الاقتصادية محرك هذا التطور 0

واذا اردنا ان نفهم المالية العامة وجب دراسة هذه الانظمة على  اساس قوانين التطور الاقتصادي للمجتمع وعلى اساس الوظائف التي تضطلع بها الدولة داخل نظام اقتصادي  واجتماعي معينين 0

واذا تتبعنا تطور وظائف الدولة واهدافها ، القينا الضوء على تطور مفهوم المالية العامة ، اذا ان جوهر وغرض المالية يختلفان في انواع المجتمعات المختلفة مادامت توجد اختلافات بين علاقات الانتاج الكامنة وقوانين تطور المجتمع 0

فنشاط الدولة المالي لاشباع الحاجات العامة رهين بدورها في الحياة الاقتصادية والذي يتحدد بدوره بتفاعل العوامل السياسية والاقتصادية وبمرحلة التطور الذي يمر بها المجتمع 0

ونتيجة للتغيرات الجذرية التي حدثت ، عبر التطور التاريخي لمختلف المجتمعات ، في اساليب الانتاج الاجتماعي ، وفي اسس توزيع الدخل القومي ، ادت الى تغيرات جذرية في الوظائف الاساسية التي تقوم بها الدولة وبالتالي في جوهر وغرض المالية العامة 0





 فدور الدولة في المجتمع الرأسمالي يختلف عنه في المجتمع الاشتراكي ، كما ان دور الدولة يختلف في المجتمع الواحد تبعا” الى درجة تقدمة 0

كما ان جوهر النشاط المالي للدولة يكمن  في الحصول على الموارد النقدية وانفاقها لاشباع الحاجات العامة وتحقيق اهداف المجتمع الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسية ، كما يتوقف هدف هذا النشاط على مدى اهمية وتعدد هذه الحاجات التي تختلف من مجتمع الى آخر حسب فلسفته السياسية وحسب درجة نموه وتقدمه الاقتصادي ، لذا  سوف نتناول في هذا الفصل مفهوم المالية في المجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي ودول العالم الثالث المبحث الأول – المالية العامة في المجتمع الراسمالي :-

اولا” :- المالية العامة في المجتمع الرأسمالي حتى عام 1930 م :-

(( المالية العامة المحايدة ))

       تطور علم المالية العامة تطورا” كبيرا” خلال الفترة الاخيرة ، وان هذا التطور لم يلحق وسائلها الفنية فحسب ، وانما لحق مفهوم المالية العامة نفسها والاهداف التي تسعى الدولة الى تحقيقها ، وان تطور علم المالية هو انعكاس لتطور الدولة ، فعلم المالية العامة وقواعدها كانت مرتبطة بطبيعة الدولة المحايدة  التي شاعت في القرن التاسع عشر ، أي مرتبطة  بالدولة الحارس ،  كما يسميها الاقتصاديون انصار آدم سمث ، وان مايجب ملاحظته



هو ان  كل نظرية مالية وما يترتب عليها من سياسة خاصة بالنفقات والايرادات والميزانية ، انما يصدران عن نظرية اقتصادية معينة 0 ولما كانت النظرية الاقتصادية نفسها لاتبقى جامدة بل تتطور وتتعدل تحت تأثير المشكلات الواقعية التي تحدث في النظم الاقتصادية 0 فان هذا التطور يؤدي بدوره الى تطوير النظرية والسياسة الماليتين ، ومن هنا يتفاعل الفكر الاقتصادي والتطور الواقعي في تعديل وتطوير الفكر والسياسة في المالية العامة 0

فالنظرية المالية الكلاسيكية كانت نتيجة حتمية للنظرية الاقتصادية الكلاسيكية ، ولما كانت السياسة المالية التي طبقتها الدول الراسمالية خلال القرن التاسع عشر وحتى العقد الرابع من القرن العشرين تطبيقا” للنظرية المالية الكلاسيكية فأن معنى ذلك ان هذه السياسة كانت هي الاخرى انعكاسا” للنظرية الاقتصادية الكلاسيكية 0

اما الاسس التي كانت تستند اليه النظرية الاقتصادية الكلاسيكية هي كما يأتي :-

1) اشار الكلاسيك ان فكرة التوازن بين العرض الكلي والطلب الكلي وحالة الاستخدام الكامل متحققة مالم تتدخل الدولة في الميدان الاقتصادي ، وان جهاز الاسعار في ظل المنافسة الحرة كفيل بتحقيق هذا  الهدف ، وبعبارة اخرى ان الحرية الاقتصادية والنشاط الخاص كفيلان بتحقيق التوازن 0

2) كما اشار الكلاسيك الى ان الادخار هو العامل الرئيسي لنمو الاقتصاد ، لان النمو يتوقف على ما يتكون من رؤوس اموال او استثمارات عينية  تزيد من انتاجية الاقتصاد وانتاجه 0 ويتوقف

حجم راس المال او الاستثمار على حجم الادخار  ، وعلى ذلك فاذا اريد زيادة النمو الاقتصادي لابد من تشجيع الادخار 0

3) واشارو إلى أن الادخارات لابد وان تجد سبيلها الى الاستثمارات وان معدل الفائدة ، هو العامل التوازني  بينهما بشكل يصبح معه الطلب الكلي على السلع والخدمات مساويا” الى العرض الكلي مع تحقيق حالة الاستخدام الكامل 0

       وقد انعكست هذه المبادئ في النظرية المالية الكلاسيكية وماترتب عليها من سياسة مالية طبقا” لما يأتي 0

1) ان دور الدولة ينحصر في وظائف محدودة ، حددها آدم سمث بالدفاع عن الاقليم ضد الاعتداء الخارجي ، وحماية الملكية الخاصة ، وتحقيق الامن في الداخل ، والقيام بالمشاريع العامة التي لاينتظر ان يقوم بها  النشاط الخاص ، اما لضخامة ما تتكلفه من اموال ، واما لضآلة ماتدره من ارباح 0

2)تلجأ الدولة للضرائب للحصول على الايرادات اللازمة لتغطية تلك النفقات العامة المحدودة ، ويجب ان يكون القصد الوحيد من الضرائب هو هذا القصد المالي الذي  يتلخص في الحصول على الايرادات اللازمة لتمويل النفقات العامة 0

وخلاصة هذين المبدأين الاول والثاني ، ان المالية العامة بما تقوم عليه من نفقات وايرادات متأتية من الضرائب يجب  ان لايكون لها اية تأثير على المالية الخاصة والنشاط الفردي ، وبعبارة اخرى ان المالية العامة يجب ان تكون حيادية 0

3) يجب  أن لأ تعوق الضرائب في فرضها تكوين الادخار حتى لاتعوق تكوين رؤوس الاموال وتضعف من النمو الاقتصادي ، ونتيجة لذلك ،  مالت النظرية المالية الكلاسيكية الى تفضيل



الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك ، لانها لاتعرقل الادخار بل تؤدي الى ايجاد ادخار جماعي اجباري ، والى تفضيل الضرائب النسبية في نطاق الضرائب المباشرة 0

4) كما يجب ان تكون الموازنة العامة متوازنة ، بمعنى ان تغطي النفقات العامة عن طريق الايرادات العادية ، وبعبارة اخرى  يجب عدم الالتجاء الى القروض العامة ، لانه فضلا” عما تتركه من اعباء على الاجيال القادمة  ، فأنها اتخذت شكل اقتراض نقود جديدة من البنوك ، الذي ادى الى زيادة الكمية النقدية ، ومن ثم الى حدوث ارتفاع تضخمي في الاسعار ، وان قامت على الاقتراض من الجمهور 0 فأنها تقطع جزءا” من ادخار الجمهور  الذي كان يستخدم في الاستثمار ، فينقص بذلك  الاستثمار  الخاص ، وتستعمل الحكومة مبلغ  القرض غالبا” في  انفاق حكومي غير استثماري ، وبذلك يضعف الاقتراض العام من تكوين رؤوس الاموال 0 ويضعف بالتالي من النمو الاقتصادي 0

وفي ضوء ماتقدم يتضح ان المالية العامة لم تكن الا أداة لتجهيز الدولة بالدخل الضروري لتغطية نفقاتها الادارية ، أي ان وظيفتها الاساسية التي يجب ان تكتفي بها ولا تتعداها الى  غيرها هي مد الدولة بالموارد الضرورية لتغطية نفقاتها الادارية 0

ولكن الاحداث التي وقعت في العقود الاخيرة من القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، وازمة 29/1930 أظهرت عن عدم امكانية الاستمرار في تطبيق مفهوم المالية العامة التي جاءت به المدرسة الكلاسيكية ، والذي يقتضي بوجوب بقاء الدولة حيادية تجاه الاحداث الاقتصادية والمالية ، التي تحدث في المجتمع ،



مما دفع بعض الاقتصاديين الى الخروج عمليا” عن تلك المبادئ والاسس ، واوعزوا الى الدولة ان تتخلى  عن موقفها السلبي او الحيادي ، ازاء الاحداث الاقتصادية ، وكان في مقدمة هؤلاء الاقتصاديين ( اللورد كينز ) 0 الذي هاجم قانون ( ساي  ) الذي يقول فيه (( ان العرض يولد الطلب ويساويه ) واشار الى ان (( الطلب هو منشأ العرض )) أي انه عندما يطلب الافراد السلع 0 فان المنتجون يسرعون في انتاجها ، ويستخدمون اليد العاملة والموارد الاولية ، واشار كينز الى احتمال نقص الطلب على العرض ، وما يحدثه هذا النقص من قلة الانتاج والاستغناء عن عوامل الانتاج مادية  وبشرية وظهور البطالة ،

فلم يعد الكتاب يسلمون بالتوازن الذاتي بين العرض وبين الطلب  ولايتقبلون فكرة تحقيق الاستخدام الكامل ذاتيا” ، ولايؤمنون بحيادة الدولة ازاء الاحداث الاقتصادية والاجتماعية  بل راح الاقتصاديون الكينزيون ، يلقون على عاتق الدولة التبعات الجديدة في تحقيق الاستخدام الكامل 0

وهكذا فان تطور الفكر الواقع حتى العقد الرابع من هذا القرن ، قد هدم مبدأ حيادية المالية العامة ، اذا توسعت النفقات العامة  من ناحية ، واستخدمت الضرائب لتحقيق اغراض غير مالية من ناحية اخرى ، فأصبحت المالية العامة ليس فقط اداة لتجهيز الدولة بالدخل الضروري لتغطية نفقاتها ، وانما ايضا” اداة  لتحقيق  التدخل  في الحياة  الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع 0





ثانيا”  :- المالية العامة في المجتمع الرأسمالي من 1930 وحتى الوقت الحاضر  :-

(( المالية العامة غير المستقلة ))

 لقد تبين من الدارسة السابقة أن الحرب الأولي والازمة  الاقتصادية العالميتين ، كان لهما الإثر الكبير في أفول النظرية المالية الكلاسيكية ، ونشوء أسس ومبادئ جديدة هي أساس المالية  المعاصرة في الوقت الحاضر في المجتمع الرأسمالي ، ويمكن أن  ندرس أهم المميزات الأساسية لهذه المالية المعاصرة 0

1- نهاية الدولة  الحيادية :-

لقد اقام المفهوم الكلاسيكي للمالية العامة فاصلا” بين السياسة والاقتصاد ، وحدد وظائف الدولة  بالدفاع  والامن  والقضاء ، أي ان  الميدان السياسي كان من اختصاص الدولة ، اما فيما يتعلق بالاقتصاد فكان من اختصاص النشاط الخاص 0

ألا أن هذا الفصل بين السياسة والاقتصاد قد تلاشى منذ  الثلاثينيات ، إذ أصبحت الدولة لا تتدخل في الحياة الاقتصادية كمشروع للقوانين ، وانما أصبحت المحرك الرئيسي للحياة الاقتصادية والاجتماعية ، واخذت تزول تدريجيا” الحواجز التي كانت تفصل بين القطاع الخاص والعام 0

ويجب الإشارة إلى أن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية كان ضرورة حتمية أملتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية  التي حدثت منذ سنة 1914 للحد من الآثار السيئة  للنظام الحر  والتخفيف من مساوئه دون المساس به ، فالدولة عن طريق الضرائب الكمركية ذات السعر العالي  تحمي



صناعتها  الوطنية من المنافسة الأجنبية ، أو أن الدولة تقدم مساعدات مالية للشركات  للخروج من الأزمات ، ومن هنا نستطيع أن نرى بوضوح التعارض أو التناقض بين المفهوم الكلاسيكي والحديث من حيث أن مبدأ المساواة أمام النفقات العامة هو الأساس الذي يستند أليه المفهوم الكلاسيكي للمالية العامة ، في حين أن  المفهوم الحديث للمالية العامة لا يأخذ بنظر الاعتبار بمبدأ المساواة هذا ، حيث تزداد الضرائب على بعض الأفراد وتنخفض على بعض أخر من الأفراد ، حسب ما تتطلب سياسة التدخل 0

وهكذا نرى أن السياسة التدخلية للدولة عن طريق وسائل  الفن المالي ، قد وضعت نهاية مفهوم الدولة الحيادية  0

2-  عدم استقرار النقود  :-

لقد تمتع النظام النقدي خلال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى بدرجة كبيرة من الثبات والاستقرار ، مما ساعد على المحافظة على استقرار النظم المالية في الدول الرأسمالية ، ألا أن نشؤ الحرب العالمية الأولى ، وما تبعها من أزمات اقتصادية وخاصة الأزمة الاقتصادية العالمية 29/1930 ، قضت على هذا الاستقرار واصبح عدم الاستقرار في النقود سمة القرن العشرين 0

إذ أن هذه الأحداث فرضت على الدول نفقات كبيرة جدا” مما اجبرها على التدخل وخرق القواعد والأسس التي كانت تحكم النشاط الاقتصادي قبل الحرب العالمية الأولى ، كالجوء الى التضخم النقدي كأجراء لتمويل  نفقات الحرب ، وبنفس الوقت أعفت الدول بنوك الإصدار من واجب تحويل العملة الورقية بما



يساويها من المعدن النفيس عند  الطلب 0 ومعنى هذا أن الأساس الذي كان يستند أليه النظام النقدي قد تغير ، إذ الغي النظام النقدي المعدني ، وحل محله نظام النقود الورقية الإلزامية 0

ويجب الإشارة إلى أن قيمة النقود لم تعد تتوقف على مقدار ما تساويه من المعدن النفيس ، وانما يتوقف قيمتها  على الوضع الاقتصادي العام ، ولذا اصبح لزاما” على الدولة أن تتدخل لتعيد قيمة نقدها بما يتلائم ومتطلبات الوضع الاقتصادي العام في الدولة وعلاقاتها  الاقتصادية الخارجية مع الدول الأخرى 0

3- الحرب الشاملة :-

أن الحرب  العالمية الأولى والثانية والأزمات الاقتصادية ، قد قضت على الاستقلال الذي أقامه الفكر الكلاسيكي بين الاقتصاد وبين النشاط المالي للدولة ، فلم يعد هناك مثلا تميز بين ما هو مدني ،  وما هو عسكري ، لان في الحرب اصبح من الصعوبة بمكان التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية 0 كما أن القوة العسكرية للدولة أصبحت تعتمد كليا” في الوقت الحاضر على مقدار ما تتمتع به من قوة اقتصادية ، أو بعبارة أخرى أن القوة العسكرية تعتمد على كافة الاقتصاد القومي للدولة 0

ومن هذا يتضح انه ليس في الامكان معالجة المشاكل المالية بمعزل عن الاقتصاد ، فلو آخذنا مثلا” مسألة توازن الموازانة وهي ، قاعدة أساسية في الفكر المالي الكلاسيكي وعلى الرغم من أنها لم تفقد قيمتها كليا” ، ألا أن مفهوم توازن الموازنة  قد تطور ،أذ لم يعد في الأمكان تحقيقه الا في الاطار الاقتصادي العام ، فالمفهوم في الوقت الحاضر هو تحقيق التوازن الاقتصادي العام وليس توازن



الموازنة ، اذ ان  هذا الاخير لايمكن تحقيقه دون ان يتحقق  الاول ، ولذلك فان المالية العامة لم تعد مستقلة ، وانما اصبحت جزءا” من الاقتصاد 0

كما ان زيادة النفقات العامة نتيجة لتطور وتنوع مسؤوليات الدولة لم تعد الضريبة قادرة لوحدها على تحقيق الايرادات  اللازمة للدولة ، مما دفع الدولة الى استخدام الوسائل الاخرى ، كالقروض والوسائل النقدية ، بجانب الضريبة كمصادر عادية لتوليد الايرادات من ناحية ولاستخدامها كأداة للتدخل في الميدان الاقتصادي والاجتماعي  من ناحية أخرى 0

المبحثالثاني :- مفهوم المالية العامة في الدول الاشتراكية

ان الدول في المجتمع الاشتراكي تقوم على اساس الملكية الجماعية وبالتالي فهي التي تقوم بادارة الانتاج والتوزيع والاستهلاك على اساس تخطيط مركزي يدار من قبل الدولة نفسها ، وهذا يعني ان الدولة هي التي تعمل على توفير الموارد اللازمة لتطوير المجتمع الاشتراكي ماديا” وثقافيا” ، وهذا يعني ان الدولة تقع عليها مسؤولية تمويل الخطة العامة للمجتمع برمته 0

ومن هنا يتبين ان مفهوم المالية العامة في المجتمع الاشتراكي اصبح له مفهوما” جديدا” وذلك لان المالية العامة لم تعد ، كما هو الحال في المجتمع الراسمالي 0 تكتفي في اقتطاع جزء من الدخل القومي لاستخدامه في انتاج الخدمات العامة ، او احداث آثارا” معينة في



الاقتصاد القومي على النحو الذي شاهدنا في دراستنا لهذا المفهوم ، وانما تعتبر العنصر الرئيسي في تكوين واستخدام الدخل القومي ، او بعبارة ادق ان ميدان المالية العامة في المجتمع  الاشتراكي اصبح يشمل جميع قطاعات المجتمع من اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية 00 الخ ، وذلك لان مفهوم المالية العامة في المجتمع الاشتراكي يقوم على اساس الملكية الجماعية بعكس مفهوم المالية العامة في المجتمع الراسمالي حيث تقوم اساسا” على وجود الملكية الخاصة 0

فالمالية العامة في المجتمع الاشتراكي تقوم بتمويل الاقتصاد  برمته، فالمبالغ المقتطعة من الناتج القومي الاجمالي لها هدف اولي ورئيسي هو تغذية الانتاج بالموارد اللازمة 0 وميزانية الدولة اصبحت ميزانية  الاقتصاد القومي ، فتوزيع الاعتمادات وفرض الضرائب وادارة النقود ومراقبة دخل الفرد لاتشكل الا عناصر متجانسة تعمل سوية من اجل تحقيق الاهداف المرسومة في الخطة العامة للدولة 0

ومن هنا يتبين بان علم المالية العامة قد اصبح جزءا” من نظرية اوسع وهي الخطة  العامة اذ ان جميع العناصر من سياسية  واقتصادية وتشريعية وثقافية ومالية اشتركت سوية في سبيل تكوين  الخطة العامة للدولة الاشتراكية 0

ونستخلص مما تقدم  الخصائص الأتية للمالية العامة في المجتمع الاشتراكي :-

1- ان المالية العامة الاشتراكية تقوم على اساس الملكية  الاشتراكية لوسائل الانتاج 0



2- أن قيام المالية العامة على أساس الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، معناه أن الدولة هي  المنظم الوحيد للاقتصاد القومي  برمته 0

3- أن قيام المالية العامة على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، معناه أن الأساس المادي للمالية العامة هو الإنتاج الاجتماعي العام

4- ان المالية تعبر عن العلاقات النقدية التي تنشأ عند تكوين وتوزيع واستخدام الدخول النقدية ، وان هذه العلاقات ليست نقدية بحته ، وانما هي اقتصادية واجتماعية وهي تتكون  بين الدولة والمجتمع 0

5- ان الموارد المتأتية من المشروعات الاشتراكية بنوعيها ، تستخدم لتلبية متطلبات الانتاج وتطوره في مختلف القطاعات ، ولتلبية الحاجات  العامة  المختلفة 0

6- مما تقدم يصبح التخطيط شرطا” ضروريا” للمالية العامة ،وعلى اساسه تستطيع الدولة ان تحدد حجم ومصادر الدخل والمدخرات النقدية لمدة سنة او اكثر ، كما تحدد حجم واوجه الانفاق على المتطلبات الانتاجية والثقافية والمعيشية 000 الخ 0

وبذلك تصبح المالية العامة في الدول الاشتراكية اداة لتنمية الاقتصاد بصورة مخططة ، ومصدرا” لتلبية  حاجات ومتطلبات افراد المجتمع 0











المبحث الثالث :– مفهوم  المالية  العامة  في الدول النامية

اولا” :- خصائص الدول النامية :-

تعرف الدول النامية  ، بأنها مجموعة  الدول التي اصابت انجازات اقتصادية متفاوتة عما اصابته  البلدان المتقدمة 0 وعلى الرغم من ان مجموعة  الدول النامية تتفاوت في درجات تخلفها الا انها تشترك في خصائص معينة هي :-

1- انخفاض متوسط الدخل الحقيقي للفرد

2- ارتفاع نسبة العاملين في القطاع الزراعي والذي يعتبر القطاع الرئيسي في الاقتصاد 0

3- ضعف القطاع الصناعي والذي يعود الى انخفاض الادخارات العائلية وسوء توزيع الدخل القومي وعدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية 0

ثانيا”:-بنية النظام المالي في الدول النامية :-

في الحقيقة أن هناك علاقة قوية ومتبادلة بين البناء الاقتصادي للدولة والبناء المالي لها ، وهذا يعني أن التطور الاقتصادي له تأثير على تطوير بنية المالية العامة ، كما أن أي تطور في البنية المالية للدولة يحدث آثار الكبيرة على البناء الاقتصادي للدولة 0

ولما كان بنيان اقتصاديات دول العالم الثالث تختلف عن بنيان اقتصاديات الدول الراسمالية المتقدمة والدول الاشتراكية ، فان هذا البنيان هو الذي يحدد بنية النظام المالي لهذه البلدان ، أي بنية



الايرادات العامة ، وهذا يعني ان بنية اقتصاديات دول العالم الثالث  اضفت على بنية النظام المالي في هذه الدول خصائص معينة وهي :-

1) انخفاض حصيلة الضرائب بصورة عامة :-

ان السمة الاولى التي تشترك بها معظم دول العالم الثالث هي ضعف الاستقطاعات الضريبية في قيمتها المطلقة ( مقدار ما يدفعه الفرد سنويا” من الضريبة ) او بقيمتها النسبية ( مقدار ماتمثله هذه الاستقطاعات من الناتج القومي الاجمالي ) 0

2) انخفاض حصيلة الضريبة على الدخل

3- ان المالية تعبر عن العلاقات النقدية التي تنشأ عن تكوين وتوزيع واستخدام الدخول النقدية ، وان هذه العلاقات ليست نقدية بحتة ، وانما هي اقتصادية واجتماعية وهي تتكون بين الدولة والمجتمع 0

4-  ان الموارد  المتأتية من المشروعات الاشتراكية بنوعيها تستخدم لتلبية متطلبات الانتاج وتطوره في مختلف القطاعات ، ولتلبية الحاجات العامة المختلفة 0

5- مما تقدم يصبح التخطيط شرطا” ضروريا” للمالية العامة وعلى أساسه تستطيع الدولة ان تحدد حجم ومصادر الدخل والمدخرات النقدية لمدة سنة او اكثر كما تحدد حجم واوجه الانفاق على المتطلبات الانتاجية والثقافية والمعيشية 000 الخ

وبذلك تصبح المالية العامة في الدول الاشتراكية اداة لتنمية الاقتصاد بصورة مخططة ، ومصدرا” لتلبية حاجات ومتطلبات افراد المجتمع



مدخل النظم في دراسة علاقة الدولة بالمجتمع والاقتصاد



المبحث الأول :- المالية العامة في المجتمع الرأسمالي

المبحث الثاني :- مفهوم المالية العامة في الدول الاشتراكية

المبحث الثالث :- مفهوم المالية العامة في الدول النامية

التمهيد :-

       ان الدولة في صورتها الحالية هي نتيجة تطور تاريخي طويل تميزت كل مرحلة من مراحلها باهداف معينة تتفق ومصالح المجتمع ، ويعتبر تغير الانظمة الاقتصادية محرك هذا التطور 0

واذا اردنا ان نفهم المالية العامة وجب دراسة هذه الانظمة على  اساس قوانين التطور الاقتصادي للمجتمع وعلى اساس الوظائف التي تضطلع بها الدولة داخل نظام اقتصادي  واجتماعي معينين 0

واذا تتبعنا تطور وظائف الدولة واهدافها ، القينا الضوء على تطور مفهوم المالية العامة ، اذا ان جوهر وغرض المالية يختلفان في انواع المجتمعات المختلفة مادامت توجد اختلافات بين علاقات الانتاج الكامنة وقوانين تطور المجتمع 0

فنشاط الدولة المالي لاشباع الحاجات العامة رهين بدورها في الحياة الاقتصادية والذي يتحدد بدوره بتفاعل العوامل السياسية والاقتصادية وبمرحلة التطور الذي يمر بها المجتمع 0

ونتيجة للتغيرات الجذرية التي حدثت ، عبر التطور التاريخي لمختلف المجتمعات ، في اساليب الانتاج الاجتماعي ، وفي اسس توزيع الدخل القومي ، ادت الى تغيرات جذرية في الوظائف الاساسية التي تقوم بها الدولة وبالتالي في جوهر وغرض المالية العامة 0





 فدور الدولة في المجتمع الرأسمالي يختلف عنه في المجتمع الاشتراكي ، كما ان دور الدولة يختلف في المجتمع الواحد تبعا” الى درجة تقدمة 0

كما ان جوهر النشاط المالي للدولة يكمن  في الحصول على الموارد النقدية وانفاقها لاشباع الحاجات العامة وتحقيق اهداف المجتمع الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسية ، كما يتوقف هدف هذا النشاط على مدى اهمية وتعدد هذه الحاجات التي تختلف من مجتمع الى آخر حسب فلسفته السياسية وحسب درجة نموه وتقدمه الاقتصادي ، لذا  سوف نتناول في هذا الفصل مفهوم المالية في المجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي ودول العالم الثالث المبحث الأول – المالية العامة في المجتمع الراسمالي :-

اولا” :- المالية العامة في المجتمع الرأسمالي حتى عام 1930 م :-

(( المالية العامة المحايدة ))

       تطور علم المالية العامة تطورا” كبيرا” خلال الفترة الاخيرة ، وان هذا التطور لم يلحق وسائلها الفنية فحسب ، وانما لحق مفهوم المالية العامة نفسها والاهداف التي تسعى الدولة الى تحقيقها ، وان تطور علم المالية هو انعكاس لتطور الدولة ، فعلم المالية العامة وقواعدها كانت مرتبطة بطبيعة الدولة المحايدة  التي شاعت في القرن التاسع عشر ، أي مرتبطة  بالدولة الحارس ،  كما يسميها الاقتصاديون انصار آدم سمث ، وان مايجب ملاحظته



هو ان  كل نظرية مالية وما يترتب عليها من سياسة خاصة بالنفقات والايرادات والميزانية ، انما يصدران عن نظرية اقتصادية معينة 0 ولما كانت النظرية الاقتصادية نفسها لاتبقى جامدة بل تتطور وتتعدل تحت تأثير المشكلات الواقعية التي تحدث في النظم الاقتصادية 0 فان هذا التطور يؤدي بدوره الى تطوير النظرية والسياسة الماليتين ، ومن هنا يتفاعل الفكر الاقتصادي والتطور الواقعي في تعديل وتطوير الفكر والسياسة في المالية العامة 0

فالنظرية المالية الكلاسيكية كانت نتيجة حتمية للنظرية الاقتصادية الكلاسيكية ، ولما كانت السياسة المالية التي طبقتها الدول الراسمالية خلال القرن التاسع عشر وحتى العقد الرابع من القرن العشرين تطبيقا” للنظرية المالية الكلاسيكية فأن معنى ذلك ان هذه السياسة كانت هي الاخرى انعكاسا” للنظرية الاقتصادية الكلاسيكية 0

اما الاسس التي كانت تستند اليه النظرية الاقتصادية الكلاسيكية هي كما يأتي :-

1) اشار الكلاسيك ان فكرة التوازن بين العرض الكلي والطلب الكلي وحالة الاستخدام الكامل متحققة مالم تتدخل الدولة في الميدان الاقتصادي ، وان جهاز الاسعار في ظل المنافسة الحرة كفيل بتحقيق هذا  الهدف ، وبعبارة اخرى ان الحرية الاقتصادية والنشاط الخاص كفيلان بتحقيق التوازن 0

2) كما اشار الكلاسيك الى ان الادخار هو العامل الرئيسي لنمو الاقتصاد ، لان النمو يتوقف على ما يتكون من رؤوس اموال او استثمارات عينية  تزيد من انتاجية الاقتصاد وانتاجه 0 ويتوقف

حجم راس المال او الاستثمار على حجم الادخار  ، وعلى ذلك فاذا اريد زيادة النمو الاقتصادي لابد من تشجيع الادخار 0

3) واشارو إلى أن الادخارات لابد وان تجد سبيلها الى الاستثمارات وان معدل الفائدة ، هو العامل التوازني  بينهما بشكل يصبح معه الطلب الكلي على السلع والخدمات مساويا” الى العرض الكلي مع تحقيق حالة الاستخدام الكامل 0

       وقد انعكست هذه المبادئ في النظرية المالية الكلاسيكية وماترتب عليها من سياسة مالية طبقا” لما يأتي 0

1) ان دور الدولة ينحصر في وظائف محدودة ، حددها آدم سمث بالدفاع عن الاقليم ضد الاعتداء الخارجي ، وحماية الملكية الخاصة ، وتحقيق الامن في الداخل ، والقيام بالمشاريع العامة التي لاينتظر ان يقوم بها  النشاط الخاص ، اما لضخامة ما تتكلفه من اموال ، واما لضآلة ماتدره من ارباح 0

2)تلجأ الدولة للضرائب للحصول على الايرادات اللازمة لتغطية تلك النفقات العامة المحدودة ، ويجب ان يكون القصد الوحيد من الضرائب هو هذا القصد المالي الذي  يتلخص في الحصول على الايرادات اللازمة لتمويل النفقات العامة 0

وخلاصة هذين المبدأين الاول والثاني ، ان المالية العامة بما تقوم عليه من نفقات وايرادات متأتية من الضرائب يجب  ان لايكون لها اية تأثير على المالية الخاصة والنشاط الفردي ، وبعبارة اخرى ان المالية العامة يجب ان تكون حيادية 0

3) يجب  أن لأ تعوق الضرائب في فرضها تكوين الادخار حتى لاتعوق تكوين رؤوس الاموال وتضعف من النمو الاقتصادي ، ونتيجة لذلك ،  مالت النظرية المالية الكلاسيكية الى تفضيل



الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك ، لانها لاتعرقل الادخار بل تؤدي الى ايجاد ادخار جماعي اجباري ، والى تفضيل الضرائب النسبية في نطاق الضرائب المباشرة 0

4) كما يجب ان تكون الموازنة العامة متوازنة ، بمعنى ان تغطي النفقات العامة عن طريق الايرادات العادية ، وبعبارة اخرى  يجب عدم الالتجاء الى القروض العامة ، لانه فضلا” عما تتركه من اعباء على الاجيال القادمة  ، فأنها اتخذت شكل اقتراض نقود جديدة من البنوك ، الذي ادى الى زيادة الكمية النقدية ، ومن ثم الى حدوث ارتفاع تضخمي في الاسعار ، وان قامت على الاقتراض من الجمهور 0 فأنها تقطع جزءا” من ادخار الجمهور  الذي كان يستخدم في الاستثمار ، فينقص بذلك  الاستثمار  الخاص ، وتستعمل الحكومة مبلغ  القرض غالبا” في  انفاق حكومي غير استثماري ، وبذلك يضعف الاقتراض العام من تكوين رؤوس الاموال 0 ويضعف بالتالي من النمو الاقتصادي 0

وفي ضوء ماتقدم يتضح ان المالية العامة لم تكن الا أداة لتجهيز الدولة بالدخل الضروري لتغطية نفقاتها الادارية ، أي ان وظيفتها الاساسية التي يجب ان تكتفي بها ولا تتعداها الى  غيرها هي مد الدولة بالموارد الضرورية لتغطية نفقاتها الادارية 0

ولكن الاحداث التي وقعت في العقود الاخيرة من القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، وازمة 29/1930 أظهرت عن عدم امكانية الاستمرار في تطبيق مفهوم المالية العامة التي جاءت به المدرسة الكلاسيكية ، والذي يقتضي بوجوب بقاء الدولة حيادية تجاه الاحداث الاقتصادية والمالية ، التي تحدث في المجتمع ،



مما دفع بعض الاقتصاديين الى الخروج عمليا” عن تلك المبادئ والاسس ، واوعزوا الى الدولة ان تتخلى  عن موقفها السلبي او الحيادي ، ازاء الاحداث الاقتصادية ، وكان في مقدمة هؤلاء الاقتصاديين ( اللورد كينز ) 0 الذي هاجم قانون ( ساي  ) الذي يقول فيه (( ان العرض يولد الطلب ويساويه ) واشار الى ان (( الطلب هو منشأ العرض )) أي انه عندما يطلب الافراد السلع 0 فان المنتجون يسرعون في انتاجها ، ويستخدمون اليد العاملة والموارد الاولية ، واشار كينز الى احتمال نقص الطلب على العرض ، وما يحدثه هذا النقص من قلة الانتاج والاستغناء عن عوامل الانتاج مادية  وبشرية وظهور البطالة ،

فلم يعد الكتاب يسلمون بالتوازن الذاتي بين العرض وبين الطلب  ولايتقبلون فكرة تحقيق الاستخدام الكامل ذاتيا” ، ولايؤمنون بحيادة الدولة ازاء الاحداث الاقتصادية والاجتماعية  بل راح الاقتصاديون الكينزيون ، يلقون على عاتق الدولة التبعات الجديدة في تحقيق الاستخدام الكامل 0

وهكذا فان تطور الفكر الواقع حتى العقد الرابع من هذا القرن ، قد هدم مبدأ حيادية المالية العامة ، اذا توسعت النفقات العامة  من ناحية ، واستخدمت الضرائب لتحقيق اغراض غير مالية من ناحية اخرى ، فأصبحت المالية العامة ليس فقط اداة لتجهيز الدولة بالدخل الضروري لتغطية نفقاتها ، وانما ايضا” اداة  لتحقيق  التدخل  في الحياة  الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع 0





ثانيا”  :- المالية العامة في المجتمع الرأسمالي من 1930 وحتى الوقت الحاضر  :-

(( المالية العامة غير المستقلة ))

 لقد تبين من الدارسة السابقة أن الحرب الأولي والازمة  الاقتصادية العالميتين ، كان لهما الإثر الكبير في أفول النظرية المالية الكلاسيكية ، ونشوء أسس ومبادئ جديدة هي أساس المالية  المعاصرة في الوقت الحاضر في المجتمع الرأسمالي ، ويمكن أن  ندرس أهم المميزات الأساسية لهذه المالية المعاصرة 0

1- نهاية الدولة  الحيادية :-

لقد اقام المفهوم الكلاسيكي للمالية العامة فاصلا” بين السياسة والاقتصاد ، وحدد وظائف الدولة  بالدفاع  والامن  والقضاء ، أي ان  الميدان السياسي كان من اختصاص الدولة ، اما فيما يتعلق بالاقتصاد فكان من اختصاص النشاط الخاص 0

ألا أن هذا الفصل بين السياسة والاقتصاد قد تلاشى منذ  الثلاثينيات ، إذ أصبحت الدولة لا تتدخل في الحياة الاقتصادية كمشروع للقوانين ، وانما أصبحت المحرك الرئيسي للحياة الاقتصادية والاجتماعية ، واخذت تزول تدريجيا” الحواجز التي كانت تفصل بين القطاع الخاص والعام 0

ويجب الإشارة إلى أن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية كان ضرورة حتمية أملتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية  التي حدثت منذ سنة 1914 للحد من الآثار السيئة  للنظام الحر  والتخفيف من مساوئه دون المساس به ، فالدولة عن طريق الضرائب الكمركية ذات السعر العالي  تحمي



صناعتها  الوطنية من المنافسة الأجنبية ، أو أن الدولة تقدم مساعدات مالية للشركات  للخروج من الأزمات ، ومن هنا نستطيع أن نرى بوضوح التعارض أو التناقض بين المفهوم الكلاسيكي والحديث من حيث أن مبدأ المساواة أمام النفقات العامة هو الأساس الذي يستند أليه المفهوم الكلاسيكي للمالية العامة ، في حين أن  المفهوم الحديث للمالية العامة لا يأخذ بنظر الاعتبار بمبدأ المساواة هذا ، حيث تزداد الضرائب على بعض الأفراد وتنخفض على بعض أخر من الأفراد ، حسب ما تتطلب سياسة التدخل 0

وهكذا نرى أن السياسة التدخلية للدولة عن طريق وسائل  الفن المالي ، قد وضعت نهاية مفهوم الدولة الحيادية  0

2-  عدم استقرار النقود  :-

لقد تمتع النظام النقدي خلال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى بدرجة كبيرة من الثبات والاستقرار ، مما ساعد على المحافظة على استقرار النظم المالية في الدول الرأسمالية ، ألا أن نشؤ الحرب العالمية الأولى ، وما تبعها من أزمات اقتصادية وخاصة الأزمة الاقتصادية العالمية 29/1930 ، قضت على هذا الاستقرار واصبح عدم الاستقرار في النقود سمة القرن العشرين 0

إذ أن هذه الأحداث فرضت على الدول نفقات كبيرة جدا” مما اجبرها على التدخل وخرق القواعد والأسس التي كانت تحكم النشاط الاقتصادي قبل الحرب العالمية الأولى ، كالجوء الى التضخم النقدي كأجراء لتمويل  نفقات الحرب ، وبنفس الوقت أعفت الدول بنوك الإصدار من واجب تحويل العملة الورقية بما



يساويها من المعدن النفيس عند  الطلب 0 ومعنى هذا أن الأساس الذي كان يستند أليه النظام النقدي قد تغير ، إذ الغي النظام النقدي المعدني ، وحل محله نظام النقود الورقية الإلزامية 0

ويجب الإشارة إلى أن قيمة النقود لم تعد تتوقف على مقدار ما تساويه من المعدن النفيس ، وانما يتوقف قيمتها  على الوضع الاقتصادي العام ، ولذا اصبح لزاما” على الدولة أن تتدخل لتعيد قيمة نقدها بما يتلائم ومتطلبات الوضع الاقتصادي العام في الدولة وعلاقاتها  الاقتصادية الخارجية مع الدول الأخرى 0

3- الحرب الشاملة :-

أن الحرب  العالمية الأولى والثانية والأزمات الاقتصادية ، قد قضت على الاستقلال الذي أقامه الفكر الكلاسيكي بين الاقتصاد وبين النشاط المالي للدولة ، فلم يعد هناك مثلا تميز بين ما هو مدني ،  وما هو عسكري ، لان في الحرب اصبح من الصعوبة بمكان التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية 0 كما أن القوة العسكرية للدولة أصبحت تعتمد كليا” في الوقت الحاضر على مقدار ما تتمتع به من قوة اقتصادية ، أو بعبارة أخرى أن القوة العسكرية تعتمد على كافة الاقتصاد القومي للدولة 0

ومن هذا يتضح انه ليس في الامكان معالجة المشاكل المالية بمعزل عن الاقتصاد ، فلو آخذنا مثلا” مسألة توازن الموازانة وهي ، قاعدة أساسية في الفكر المالي الكلاسيكي وعلى الرغم من أنها لم تفقد قيمتها كليا” ، ألا أن مفهوم توازن الموازنة  قد تطور ،أذ لم يعد في الأمكان تحقيقه الا في الاطار الاقتصادي العام ، فالمفهوم في الوقت الحاضر هو تحقيق التوازن الاقتصادي العام وليس توازن



الموازنة ، اذ ان  هذا الاخير لايمكن تحقيقه دون ان يتحقق  الاول ، ولذلك فان المالية العامة لم تعد مستقلة ، وانما اصبحت جزءا” من الاقتصاد 0

كما ان زيادة النفقات العامة نتيجة لتطور وتنوع مسؤوليات الدولة لم تعد الضريبة قادرة لوحدها على تحقيق الايرادات  اللازمة للدولة ، مما دفع الدولة الى استخدام الوسائل الاخرى ، كالقروض والوسائل النقدية ، بجانب الضريبة كمصادر عادية لتوليد الايرادات من ناحية ولاستخدامها كأداة للتدخل في الميدان الاقتصادي والاجتماعي  من ناحية أخرى 0

المبحثالثاني :- مفهوم المالية العامة في الدول الاشتراكية

ان الدول في المجتمع الاشتراكي تقوم على اساس الملكية الجماعية وبالتالي فهي التي تقوم بادارة الانتاج والتوزيع والاستهلاك على اساس تخطيط مركزي يدار من قبل الدولة نفسها ، وهذا يعني ان الدولة هي التي تعمل على توفير الموارد اللازمة لتطوير المجتمع الاشتراكي ماديا” وثقافيا” ، وهذا يعني ان الدولة تقع عليها مسؤولية تمويل الخطة العامة للمجتمع برمته 0

ومن هنا يتبين ان مفهوم المالية العامة في المجتمع الاشتراكي اصبح له مفهوما” جديدا” وذلك لان المالية العامة لم تعد ، كما هو الحال في المجتمع الراسمالي 0 تكتفي في اقتطاع جزء من الدخل القومي لاستخدامه في انتاج الخدمات العامة ، او احداث آثارا” معينة في



الاقتصاد القومي على النحو الذي شاهدنا في دراستنا لهذا المفهوم ، وانما تعتبر العنصر الرئيسي في تكوين واستخدام الدخل القومي ، او بعبارة ادق ان ميدان المالية العامة في المجتمع  الاشتراكي اصبح يشمل جميع قطاعات المجتمع من اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية 00 الخ ، وذلك لان مفهوم المالية العامة في المجتمع الاشتراكي يقوم على اساس الملكية الجماعية بعكس مفهوم المالية العامة في المجتمع الراسمالي حيث تقوم اساسا” على وجود الملكية الخاصة 0

فالمالية العامة في المجتمع الاشتراكي تقوم بتمويل الاقتصاد  برمته، فالمبالغ المقتطعة من الناتج القومي الاجمالي لها هدف اولي ورئيسي هو تغذية الانتاج بالموارد اللازمة 0 وميزانية الدولة اصبحت ميزانية  الاقتصاد القومي ، فتوزيع الاعتمادات وفرض الضرائب وادارة النقود ومراقبة دخل الفرد لاتشكل الا عناصر متجانسة تعمل سوية من اجل تحقيق الاهداف المرسومة في الخطة العامة للدولة 0

ومن هنا يتبين بان علم المالية العامة قد اصبح جزءا” من نظرية اوسع وهي الخطة  العامة اذ ان جميع العناصر من سياسية  واقتصادية وتشريعية وثقافية ومالية اشتركت سوية في سبيل تكوين  الخطة العامة للدولة الاشتراكية 0

ونستخلص مما تقدم  الخصائص الأتية للمالية العامة في المجتمع الاشتراكي :-

1- ان المالية العامة الاشتراكية تقوم على اساس الملكية  الاشتراكية لوسائل الانتاج 0



2- أن قيام المالية العامة على أساس الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، معناه أن الدولة هي  المنظم الوحيد للاقتصاد القومي  برمته 0

3- أن قيام المالية العامة على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، معناه أن الأساس المادي للمالية العامة هو الإنتاج الاجتماعي العام

4- ان المالية تعبر عن العلاقات النقدية التي تنشأ عند تكوين وتوزيع واستخدام الدخول النقدية ، وان هذه العلاقات ليست نقدية بحته ، وانما هي اقتصادية واجتماعية وهي تتكون  بين الدولة والمجتمع 0

5- ان الموارد المتأتية من المشروعات الاشتراكية بنوعيها ، تستخدم لتلبية متطلبات الانتاج وتطوره في مختلف القطاعات ، ولتلبية الحاجات  العامة  المختلفة 0

6- مما تقدم يصبح التخطيط شرطا” ضروريا” للمالية العامة ،وعلى اساسه تستطيع الدولة ان تحدد حجم ومصادر الدخل والمدخرات النقدية لمدة سنة او اكثر ، كما تحدد حجم واوجه الانفاق على المتطلبات الانتاجية والثقافية والمعيشية 000 الخ 0

وبذلك تصبح المالية العامة في الدول الاشتراكية اداة لتنمية الاقتصاد بصورة مخططة ، ومصدرا” لتلبية  حاجات ومتطلبات افراد المجتمع 0











المبحث الثالث :– مفهوم  المالية  العامة  في الدول النامية

اولا” :- خصائص الدول النامية :-

تعرف الدول النامية  ، بأنها مجموعة  الدول التي اصابت انجازات اقتصادية متفاوتة عما اصابته  البلدان المتقدمة 0 وعلى الرغم من ان مجموعة  الدول النامية تتفاوت في درجات تخلفها الا انها تشترك في خصائص معينة هي :-

1- انخفاض متوسط الدخل الحقيقي للفرد

2- ارتفاع نسبة العاملين في القطاع الزراعي والذي يعتبر القطاع الرئيسي في الاقتصاد 0

3- ضعف القطاع الصناعي والذي يعود الى انخفاض الادخارات العائلية وسوء توزيع الدخل القومي وعدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية 0

ثانيا”:-بنية النظام المالي في الدول النامية :-

في الحقيقة أن هناك علاقة قوية ومتبادلة بين البناء الاقتصادي للدولة والبناء المالي لها ، وهذا يعني أن التطور الاقتصادي له تأثير على تطوير بنية المالية العامة ، كما أن أي تطور في البنية المالية للدولة يحدث آثار الكبيرة على البناء الاقتصادي للدولة 0

ولما كان بنيان اقتصاديات دول العالم الثالث تختلف عن بنيان اقتصاديات الدول الراسمالية المتقدمة والدول الاشتراكية ، فان هذا البنيان هو الذي يحدد بنية النظام المالي لهذه البلدان ، أي بنية



الايرادات العامة ، وهذا يعني ان بنية اقتصاديات دول العالم الثالث  اضفت على بنية النظام المالي في هذه الدول خصائص معينة وهي :-

1) انخفاض حصيلة الضرائب بصورة عامة :-

ان السمة الاولى التي تشترك بها معظم دول العالم الثالث هي ضعف الاستقطاعات الضريبية في قيمتها المطلقة ( مقدار ما يدفعه الفرد سنويا” من الضريبة ) او بقيمتها النسبية ( مقدار ماتمثله هذه الاستقطاعات من الناتج القومي الاجمالي ) 0

2) انخفاض حصيلة الضريبة على الدخل

3- ان المالية تعبر عن العلاقات النقدية التي تنشأ عن تكوين وتوزيع واستخدام الدخول النقدية ، وان هذه العلاقات ليست نقدية بحتة ، وانما هي اقتصادية واجتماعية وهي تتكون بين الدولة والمجتمع 0

4-  ان الموارد  المتأتية من المشروعات الاشتراكية بنوعيها تستخدم لتلبية متطلبات الانتاج وتطوره في مختلف القطاعات ، ولتلبية الحاجات العامة المختلفة 0

5- مما تقدم يصبح التخطيط شرطا” ضروريا” للمالية العامة وعلى أساسه تستطيع الدولة ان تحدد حجم ومصادر الدخل والمدخرات النقدية لمدة سنة او اكثر كما تحدد حجم واوجه الانفاق على المتطلبات الانتاجية والثقافية والمعيشية 000 الخ

وبذلك تصبح المالية العامة في الدول الاشتراكية اداة لتنمية الاقتصاد بصورة مخططة ، ومصدرا” لتلبية حاجات ومتطلبات افراد المجتمع

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
low-zag © جميع الحقوق محفوظة