مقدمــة
الدين العام هو ما تقترضه الجهات العامة فى الدولة من الغير لتمويل أعمالها نظراً لعجز مواردها الذاتية عن الوفاء بما تتطلبه هذه الأعمال من نفقات، والدين العام ظاهرة عالمية مقبولة إلى حد معين ووفق ضوابط معينة، ولكن إذا زاد الدين عن هذا الحد وخرج عن هذه الضوابط فإنه يكون مشكلة بل قد يتفاقم الأمر إلى كونه أزمة تؤدى إلى آثار سيئة ومخاطر كبيرة على المال العام وعلى الاقتصاد القومي كله.
ويمكن القول إن الدين العام فى مصر وصل إلى مرحلة الخطورة والأزمة، وهذا ما يظهر فى الدراسات العلمية التى تناولت الدين العام([1]) وكان موضوع الدين العام أحد موضوعات المؤتمر التاسع للحزب الوطنى هذا العام 2003م ، كما أن وزارة المالية المسئولة عن إدارة الدين العام بدأت فى البحث عن حلول لعلاجه.
ومركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي باعتباره إحدى وحدات جامعة الأزهر ومن أهم أهدافه الإسهام فى دراسة وعلاج القضايا والمشكلات الاقتصادية يعقد ندوة حول «إدارة الدين العام» من أجل توصيف المشكلة وتقديم مقترحات حول علاجها، وهذا البحث يمثل أحد الأوراق المقدمة للندوة والتى تتناول موضوع: «المفاهيم الأساسية ومؤشرات وآثار الدين العام» حيث نتناول فيها معنى الدين العام وأنواعه وهيكله، ثم نورد فيها المؤشرات المتعارف عليها التى يمكن بواسطتها قياس المستوى الآمن والمناسب لحجم وهيكل الدين العام وتطبيق هذه المؤشرات على الدين العام المصرى لمعرفة إن كان فى الحدود الآمنة أو وصل إلى مرحلة الخطر ودرجة هذه الخطورة، وأخيراً نتناول آثار الدين العام على جوانب ومقومات الاقتصاد بشكل عام، وانطلاقاً من دور جامعة الأزهر فى خدمة الدين الإسلامي وبيان كيفية الاستفادة به فى الحياة نختتم البحث بإطلاله على موقف الإسلام من الدين العام، والبحث بهذا الشكل يمثل خطوة ضرورية فى توصيف المشكلة حتى يمكن تحديد كيفية علاجها عن طريق الإدارة الرشيدة للدين العام وهو ما تتناوله البحوث الأخرى فى الندوة
ولتحقيق ذلك تم تنظيم البحث فى المباحث التالية([2]):
المبحث الأول: المفاهيم الأساسية للدين العام.
المبحث الثانى: مؤشرات الدين العام.
المبحث الثالث: آثار الدين العام.
الخاتمة: موقف الإسلام من الدين العام.
المبحث الأول
المفاهيم الأساسية للدين العام
أولاً: مفهوم الدين العام([3]):
يقصد بالدين العام المبالغ التى تلتزم بها إحدى الوحدات العامة فى الدولة للغير نتيجة اقتراضها هذه المبالغ لتمويل العجز فى الموازنة مع التعهد بالسداد بعد مدة ودفع فائدة على رصيد الدين حسب شروط إنشاء هذا الدين.
ومن هذا المفهوم يتضح ما يلى:
أ ) أن مصطلح الدين العام يشتمل على المبالغ النقدية المقترضة، وبالتالى لا يدخل فيه الدين التجارى عن الناتج عن توريد سلع وخدمات فى الباب الأول والثانى فى الموازنة وكذا ما يعرف بالمستحقات الاستثمارية وهى المبالغ المستحقة للمقاولين والموردين عن أعمال استثمارية والتى تقدر فى مصر حالياً بحوالى 40 مليار جنيه.
ب) أن الوحدات العامة التى استدانت بالدين العام لا يدخل فيها شركات قطاع الأعمال العام أو البنوك العامة، بل تتحدد فى كل من: الحكومة والهيئات العامة الاقتصادية، وبنك الاستثمار القومى، على الوجه التالى:
1- الحكومة: ويمثلها الخزانة العامة بوزارة المالية وهى مسئولة عن الدين المطلوب لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة ومن المعروف طبقاً لقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقانون رقم 11 لسنة 1979 أن الجهات الداخلة فى نطاق الموازنة العامة للدولة هى كل من:
– الجهاز الإدارى للدولة (الحكومة المركزية) وتشمل الوزارات والمصالح الملحقة بها وقطاع الخدمات الرئاسية.
– الهيئات العامة الخدمية: وهى حوالى 43 هيئة تتمتع باستقلال مالى وإدارى وتقدم خدماتها للمواطنين مجاناً أو بسعر رمزى، ومن أمثلتها: الجامعات، هيئة السد العالى، الهيئة العامة للطيران المدنى، دار الكتب ….
– وحدات الحكم المحلى: تتمثل فى المحافظات والوحدات الخدمية التابعة لها.
2- الهيئات العامة الاقتصادية: وهى الهيئات التى تقدم خدمة عامة بأسلوب اقتصادى بمعنى أن تمول نفقاتها من إيراداتها المتحصلة من بيع هذه الخدمات وتحقق فائضاً، وتبلغ 62 هيئة ، ومن أمثلتها هيئة السكك الحديدية، وهيئة النقل العام بالقاهرة، وهيئة ميناء القاهرة الجوى، وهيئة الأوقاف المصرفية، والهيئة العامة للتأمين الصحى، واتحاد الإذاعة والتليفزيون .. ولكن نظراً لسوء الإدارة وتدهور الأداء فى هذه الهيئات أصبح الغالب منها يحقق عجزاً وليس فائضاً الأمر الذى ترتب عليه تزايد مديونياتها التى تضمنها الحكومة.
3- بنك الاستثمار القومى: أنشئ بنك الاستثمار القومى بموجب القانون 119 لسنة 1980 من أجل أن يوفر التمويل اللازم للاستثمارات القومية التى تقوم بها الحكومة أو القطاع الخاص أو القطاع العام، على أن تودع فيه المدخرات القومية من أموال التأمينات والمعاشات ومن حصيلة شهادات الاستثمار ومن صندوق توفير البريد إلى جانب ما يمكن تدبيره من مدخرات محلية وخارجية، وكان البنك حسب قانون إنشائه يتبع وزارة التخطيط باعتبارها المشرفة على تنفيذ الخطة الاستثمارية فى الدولة، وتم نقل تبعيته عام 2002 إلى وزارة المالية.
جـ) أعباء خدمة الدين العام: ويعنى ذلك ما تتحمله الجهات المدينة من مبالغ تحسب وتدفع دورياً للدائنين ممثلة فى كل من:
الفوائد/ وهى نسبة مئوية من قيمة الدين تدفعها الجهة المدينة للجهة الدائنة، وهذه الفوائد تظهر فى الموازنة الجارية للدولة سنوياً وتمثل أحد بنود الإنفاق الجارى.
أقساط سداد الدين، وهى المبالغ التى يتم سدادها دورياً من أصل الدين للدائنين فى موعد استحقاقها حسب شروط الإقتراض وتظهر فى موازنة التحويلات الرأسمالية.
ثانياً: هيكل الدين العام:
يعنى بهيكل الدين العام تحديد المديونية لكل جهة من الجهات العامة السابق ذكرها ومصادر هذا الدين، وبذلك يتمثل هيكل الدين العام فى كل من:
أ ) الدين الحكومى: وهو الدين المستحق على الخزانة العامة للدولة، ويتكون من:
1- دين بموجب السندات الحكومية (سندات الخزانة): سواء كان إجبارياً بموجب قانون الشركات الذى يلزم كل شركة مساهمة بشراء سندات حكومية بما يعادل 5% من صافى الربح سنوياً. أو سندات الإسكان والطاقة وخلافها، وهى تمثل قروضاً طويلة الأجل، أو ديناً اختيارياً فيما تطرحه الحكومة من سندات للاكتتاب العام([4]).
2- دين بموجب أذون الخزانة: وهى أداة مالية قصيرة الأجل (تطرح كل ثلاثة أشهر) وعادة ما يكتتب فيها البنوك بصفة أساسية (حوالى 80% من قيمة هذه الأذون تشتريها البنوك) أى أن البنوك هى الدائنة للحكومة بها.
3- الإقتراض من بنك الاستثمار القومى: مما جمعه من أموال التأمينات وشهادات الاستثمارات وصناديق توفير البريد.
4- صافى أرصدة الحكومة لدى الجهاز المصرفى ، وهى الفرق بين الودائع الحكومية فى البنوك وبين ما سحبته منها([5]).
ب) مديونية الهيئات العامة الاقتصادية: وتتكون من :
1- اقتراض هذه الهيئات من بنك الاستثمار القومى.
2- صافى أرصدة الهيئات لدى الجهاز المصرفى، وتتمثل فى الزيادة التى سحبتها هذه الهيئات عن قيمة ودائعها لدى المصارف.
جـ) مديونية بنك الاستثمار القومى: كما سبق القول فإن بنك الاستثمار القومى يحصل على المدخرات الوطنية ممثلة فى أموال التأمينات وشهادات الاستثمار للبنك الأهلى، وصناديق توفير البريد، وتقرض منها الحكومة والهيئات الاقتصادية، والباقى يمثل ديوناً فى ذمة بنك الاستثمار القومى يدخل فى هيكل الدين العام.
وهذه الأنواع الثلاثة من المديونية يطلق عليها «الدين العام المحلى» وبإضافة «الدين العام الخارجى» عليه يتكون «الدين العام» فى إجماله وسوف نتعرف على ذلك أكثر فى الفقرة التالية.
ثالثا: الدين العام المحلى والدين العام الخارجى
الدين العام المحلى:
ويعنى به ما اقترضته الجهات الثلاثة بالعملة المحلية (الجنيه المصرى) وعادة يكون الدائن جهات وطنية، وينقسم إلى نوعين:
الدين العام المحلى بمفهومه الضيق: ويتكون من مديونية الحكومة ومديونية الهيئات العامة الاقتصادية.
الدين العام المحلى الواسع: ويتكون من المديونية السابقة إضافة إلى مديونية بنك الاستثمار القومى.
ب- الدين العام الخارجى:
إن الدين الخارجى بمفهومه الشامل وما يطلق عليه في اللغة الدارجة (ديون مصر) يعنى به أو يتمثل في الالتزامات القائمة (رصيد الدين) بالعملة الأجنبية على المقيمين تجاه غير المقيمين ويتم سداده أو تسويته بالعملة الأجنبية([6]).
ويعنى بالمقيمين: الأفراد أو الجهات المقيمة في مصر، وغير المقيمين: الأجانب مؤسسات أو حكومات أو أفراد.
وهو بهذا التصور يتكون من القروض الثنائية الميسرة وغير الميسرة، والقروض من المؤسسات الدولية، والإقليمية، وتسهيلات الموردين، وصافى ودائع غير المقيمين في الجهاز المصرفى، كما أنه من حيث القطاع المدين يتكون من الديون الحكومية، وديون على السلطة النقدية (البنك المركزى) وديون على البنوك، وديون على القطاعات الأخرى ومنها القطاع الخاص، ولقد كان هذا الدين الخارجى (ديون مصر) في بداية التسعينات من القرن العشرين وصل إلى حوالى 55 مليار دولار تم تسوية جزء كبير منه عن طريق التسويات في نادى باريس بإعادة جدولتها وتخفيض 50% من صافى قيمتها، كما قامت دول الخليج بإسقاط بعض ديونها على مصر عقب اشتراكها في حرب الخليج عام 1991، وبالتالي وصل الدين الخارجى إلى حوالى 33 مليار دولار، وبدأت مصر في سداد ما عليها حتى وصل رصيد الدين الخارجى إلى أدنى مستوى له حوالى 26 مليار دولار في منتصف عام 2001/ 2002، ثم بدأ في التزايد نتيجة إصدار السندات الدولارية ليصل الآن (30/6/2003) إلى مبلغ 28.8 مليار دولار، وينقسم هذا الدين من حيث القطاعات المدينة إلى:
دين على الحكومة: 18.6 مليار جنيه
دين على البنك المركزى (السلطة النقدية) 0.97 مليار جنيه
دين على البنوك 2.1 مليار جنيه
دين على القطاعات الأخرى ومنها القطاع الخاص 7.3 مليار جنيه
وحسب ما سبق بيانه من مفهوم الدين العام فإن ما يخصه من الدين الخارجى هو الدين على الحكومة الذي يبلغ 18.6 مليار دولار.
هذا، ومن الجدير بالذكر أنه من ضمن هذا الدين العام الخارجى ما أصدرته الحكومة المصرية في 29/6/2001 من سندات دولارية في الأسواق الدولية بقيمة 1.5 مليار دولار في إصدارين: الأول بقيمة 500 مليون دولار لمدة خمس سنوات بفائدة تدفعها الحكومة المصرية بمعدل 7.6% من القيمة الأسمية للسند، أما الإصدار الثاني فيبلغ مليار دولار لمدة عشر سنوات بفائدة 8.75%، ومن العجب أن حصيلة هذه السندات المليار ونصف تقوم الحكومة المصرية باستثمارها في شراء أذون خزانة أمريكية بفائدة 1.2% في حين أن الحكومة المصرية تدفع عنها فائدة حوالى 8% مما يشير إلى أن مصر تخسر لصالح أمريكا فرق هذه الفوائد أي أنها تدفع فوائد سنوية ما مقداره 87538000 دولار وتحصل فوائد تبلغ 18000000 دولار، وبذلك تخسر مصر سنويا حوالى 69538000 دولار لصالح الخزانة الأمريكية.
ولمزيد من التعرف على هيكل الدين العام المصرى نورد الجدول التالى:
هيكل الدين العام فى 30/6/2003
(المبالغ بالمليار جنيه)
بيان مبلغ مبلغ
الدين العام المحلى:
الدين الحكومى المحلى:
السندات الحكومية 153.3
أذون الخزانة 55.3
الاقتراض من بنك الاستثمار القومى 123.9
332.5
يطرح: صافى أرصدة الحكومة لدى الجهاز المصرفى (80.3)
إجمالى الدين الحكومى المحلى 252.2
مديونية الهيئات العامة الاقتصادية:
الاقتراض من بنك الاستثمار القومى 50.1
يطرح: صافى أرصدة الهيئات لدى الجهاز المصرفى (10.9)
صافى المديونية 39.2
مديونية بنك الاستثمار القومى:
موارد البنك:
أموال التأمينات الاجتماعية والمعاشات 174.8
حصيلة شهادات استثمار البنك الأهلى 61.8
حصيلة ودائع صندوق توفير البريد 22.3
حصيلة سندات التنمية الدولارية 1.7
موارد أخرى 1.7
التوظيفات 262.3
إقراض للحكومة 123.9
إقراض للهيئات الاقتصادية 50.1
صافى أرصدة البنك لدى الجهاز المصرفى 9.1
183.1
صافى المديونية 79.2
إجمالى الدين العام المحلى 370.6
+ الدين الحكومى الخارجى (18.6 دولار بسعر صرف 6.15 للدولار) 114.4
إجمالى الدين العام 485.0
رابعا: أعباء خدمة الدين العام:
وتتمثل في ما يتم تحميل المال العام به من فوائد على الديون وأقساط السداد المستحقة كل سنة، وتبلغ هذه الأعباء خلال عام 2002/ 2003 مبلغ 56 مليار جنيه موزعة كالآتي([7]):
بيـــان الفوائد أقساط جملة
ما يخص الدين العام المحلى 38.2 6.2 44.4
ما يخص الدين العام الخارجى 3 8.6 11.6
الجملة 41.2 14.8 56
وبذلك ننتهى من المبحث الأول الذي حاولنا فيه بيان المفاهيم الأساسية للدين العام وتوصيف الدين العام في مصر على أساسها، مما يمكن من التعرف على الوضع القائم لهذا الدين، وبيان مدى سلامته، وهذا ما سنتعرف عليه فى المبحث الثانى.
المبحث الثاني
مؤشرات الدين العام
ومقياس مدى الرشد في إدارة الدين العام في مصر
في المبحث السابق تعرفنا على الوضع القائم للدين العام في مصر، وفي هذا المبحث سوف نحاول تحديد المؤشرات التي يحكم بها عادة على الدين العام لبيان إن كان الأمر في مرحلة الظاهرة المقبولة أم تعداها إلى مرحلة الخطورة والمشكلة أو الأزمة، وبالتالي يمكن الحكم على مدى الرشد في إدارة الدين العام، وتتعدد المؤشرات التي تذكر في هذا المجال وسوف نقتصر منها على المؤشرات الأساسية التي توضح الصورة سواء في التعرف على درجة الخطورة في إدارة الدين العام القائم أو مدى الاقتدار أو القدرة على تلافى هذه المخاطر في المستقبل، وذلك كله نوضحه في الفقرات التالية:
أولا: الدين العام والناتج المحلى الإجمالي:
إن العلاقة بين الدين العام والناتج المحلى الإجمالي علاقة عضوية، حيث أنه يتم تمويل إنتاج هذا الناتج من مصادر ذاتية للوحدات المساهمة فيه، ومصادر خارجية من وحدات أخرى، وأن القطاعات الاقتصادية ومنها القطاع الحكومى يساهم في إنتاج هذا الناتج، وما يدفع من فوائد وأعباء سداداً للديون يمثل أحد بنود تكاليف الإنتاج عن قروض سابقة ربما لم تساهم الآن في هذا الناتج، ولذا فإنه تقاس هذه العلاقة بمؤشرين هما:
المؤشر الأول: نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالي، وتكون هذه النسبة في حدود الأمان إذا لم تتجاوز 60% أما إذا زادت عن ذلك فإن الأمر يمثل مشكلة فإذا تزايد كثيراً فإننا نكون قد وصلنا إلى مرحلة الأزمة الخطرة، ومن الجدير بالذكر أن الناتج المحلى الإجمالى يقاس بعدة مقاييس هى:
الناتج المحلى بتكلفة عوامل الإنتاج.
الناتج المحلى بسعر السوق: وهو عبارة عن قيمة الناتج المحلى بتكلفة الإنتاج إضافة إلى صافى الضرائب غير المباشرة (الضرائب غير المباشرة- إعانات الإنتاج) كما أنه يقاس كل منهما إما بالأسعار الثابتة لتلافى نتيجة التضخم وانخفاض القوة الشرائية للجنيه أو بالأسعار الجارية وهى تزيد عادة عن الأسعار الثابتة بمعدل التضخم ما بين سنة الأساس والسنة الحالية.
وبتطبيق ذلك على الوضع في مصر نجد ما يلي: (بيانات أساسية في 30/6/2003)
الدين العام يبلغ 485 مليار جنيه
الدين العام المحلى 371 مليار جنيه
الدين العام الخارجي 114 مليار جنيه
الدين الحكومى 252.2 مليار جنيه
الناتج المحلى الإجمالى بالتكلفة (بالأسعار الجارية) 380 مليار جنيه – 263 مليار جنيه (بالأسعار الثابتة)
الناتج المحلى الإجمالى بسعر السوق (بالأسعار الجارية) 409 مليار جنيه – 393 مليار جنيه (بالأسعار الثابتة)
وبالتالي تكون مؤشرات علاقة الدين العام بالناتج المحلى الإجمالى كما يلى:
485
نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى بالتكلفة = × 100 = 127.6 %
380
485
نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى بسعر السوق = × 100 = 118.6 %
409
371
نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج بالتكلفة = × 100 = 97.6 %
380
371
نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج بسعر السوق = × 100 = 90.7 %
409
366.6
نسبة الدين الحكومى (محلى وخارجى)إلى الناتج بسعر السوق = × 100 = 89.6 %
409
252.2
نسبة الدين المحلى الحكومى إلى الناتج بالتكلفة = × 100 = 66.4 %
380
252.2
نسبة الدين المحلى الحكومى إلى الناتج بسعر السوق = × 100 = 61.7 %
409
وبذلك يتضح أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى تعدت حدود الأمان حتى فى أدنى صور الدين وهى الدين المحلى الحكومى، ومع مراعاة أن الناتج هنا مقاس بالأسعار الجارية وهو يزيد عن الناتج بالأسعار الثابتة حتى يمكن المقارنة بين السنوات.
ب) المؤشر الثانى:
مقارنة معدل نمو الدين العام بمعدل نمو الناتج المحلى، ووضع الأمان يكون بتساوى أو زيادة معدل نمو الناتج المحلى عن معدل نمو الدين العام، ولكن الملاحظ فى الحالة المصرية أن الدين العام يتزايد بمعدل سنوى أكبر من معدل نمو الناتج، فعلى سبيل المثال كان الدين العام المحلى سنة 1981 حوالى 11 مليار جنيه ثم تطور بالزيادة ليصل فى بداية فترة الإصلاح الاقتصادى فى بداية التسعينات إلى 76 مليار جنيه قفز فى نهايتها ليصل عام 2000/2001 إلى 290 مليار جنيه ثم ليصل هذا العام إلى 371 مليار جنيه، ولقد كان معدل نمو الناتج المحلى يزيد عن معدل نمو الدين العام فى بداية فترة الإصلاح الاقتصادى حيث كان المعدل السنوى المركب لنمو الناتج المحلى فى الفترة من عام 1991 وحتى عام 1997 نحو 13% والمعدل السنوى المركب لنمو الدين العام خلال نفس الفترة 9.1% ، ثم انقلب الأمر ليزيد معدل نمو الدين العام خلال الفترة من 1998 وحتى الآن إلى 13.5% فى حين بلغ معدل النمو السنوى المركب للناتج المحلى 6.8% خلال نفس الفترة مما يدل على خطورة الأمر وسوء إدارة الدين العام.
ثانياً: الدين العام وعجز الموازنة:
إن السبب الرئيسى للجوء الدولة إلى الاستدانة بدين عام هو عجز الموازنة الذى يعنى نقص الإيرادات العامة عن مواجهة النفقات العامة المتزايدة، وكلما زاد العجز واستمر كلما زاد الدين العام، والواقع فى مصر يظهر أن الموازنة العامة للدولة تعانى من عجز مستمر وتزايد فى السنوات الأخيرة، بل إن الأمر السئ والوضع الخطر يظهر فى وجود عجز جارى لأول مرة فى تاريخ الموازنة العامة فى مصر بدأ بـ 3.7 مليار جنيه عام 2001/2002 ، ثم زاد ليصبح 10.1 مليار جنيه عام 2002/2003، هذا ومن الجدير بالإشارة إلى أن العجز الظاهر هنا هو العجز المقدر فى الموازنة أما عند التنفيذ الفعلى فإنه يتزايد عن ذلك، فعلى سبيل المثال فإن العجز المقدر فى موازنة 2002/2003 كما هو ظاهر فى الجدول المرق بلغ 30.4 مليار جنيه، ولكن العجز الفعلى كما ظهر فى الحساب الختامى عن هذه السنة بلغ 38.1 مليار جنيه. والجدول التالى يوضح ذلك فى حالة مقارنة بين السنوات منذ عام 98/1999 وحتى الآن.
بيان مقارن للموازنة العامة للدولة فى عدد من السنوات (المبالغ بالمليار جنيه)
السنوات
البيان
98/99 99/2000 2000/2001 السنة الحالية
2001/2002
الموازنة الجديدة
2002/2003
إجمالى الموازنة:
الإيرادات 83.1 91.1 98.0 106.0 111.4
المصروفات 91.6 99.9 111.9 126.8 141.8
العجز الكلى 8.5 8.8 13.9 20.8 30.4
الموازنة الجارية:
إيرادات جارية 75.5 79.6 86.3 94.3 97.6
(-) نفقات جارية 70.7 77.6 85.7 98.0 107.7
فائض (عجز جارى) 4.8 2.0 0.6 (3.7) عجز (10.1) عجز
الموازنة الاستثمارية:
إيرادات استثمارية 3.7 3.9 3.9 4.0 6.3
(-) نفقات استثمارية 11.0 11.9 13.9 15.2 19.3
فائض (عجز استثمارى) (7.3) عجز (8.0) عجز (10.0) عجز (11.2) عجز (13.0) عجز
موازنة التحويلات الرأسمالية
موارد ذاتية متاحة 3.9 7.6 7.8 7.7 7.5
(-) سداد أقساط الديون 9.9 10.4 12.3 13.6 14.8
فائض (عجز التحويلات) (6.0) عجز (2.8) عجز (4.5) عجز (5.9) عجز (7.3) عجز
العجز الكلى:
جارى 4.8 فائض 2.0 فائض 0.6 فائض (3.7) عجز (10.1) عجز
استثمارى (7.3) عجز (8.0) عجز (10.0) عجز (11.2) عجز (13.0) عجز
تحويلات (6.0) عجز (2.8) عجز (4.5) عجز (5.9) عجز (7.3) عجز
جملة العجز الكلى 8.5 8.8 13.9 20.8 30.4
(-) التمويل من المدخرات
والقروض
8.2 8.1 10.1 11.2 13.2
العجز الصافى 0.3 0.7 3.8 9.6 17.2
هذا إلى جانب ما يظهر من عجز لدى الهيئات العامة الاقتصادية وتقوم بالاقتراض لتمويله مما يؤدى إلى زيادة الدين العام، فإن أغلب الهيئات العامة الاقتصادية البالغة 62 هيئة تحقق عجزاً مستمراً، ويظهر وجه العجب فى ذلك أن المفروض أن هذه الهيئات يجب أن تحقق فائضاً بمعنى أن تغطى إيراداتها نفقاتها وتزيد ولكن الواقع يظهر أنها تحقق عجزاً جارياً بلغ حوالى 8 مليار جنيه هذا العام.
وتظهر خصوصية العلاقة بين الدين وعجز الموازنة فى أنه بجانب أن العجز هو سبب الاستدانة، فى أن الأمر وصل فى مصر إلى حد أنه أصبحت أعباء خدمة الدين من قيمة العجز بما يعنى أنه يتم الاستدانة لسداد ديون سابقة مما يتضح أن الأمر سيستمر هكذا فى المستقبل وتزيد الديون.
ثالثاً: مؤشرات أعباء خدمة الدين:
لقد تزايدت أعباء خدمة الدين التى وصلت فى السنة الواحدة (حالياً) إلى حوالى 65 مليار جنيه منها فوائد 41.2 مليار جنيه (بخلاف الهيئات العامة الاقتصادية) ويظهر خطورة ذلك من المؤشرات التالية: (فى موازنة 2002/2003):
56
نسبة أعباء خدمة الدين إلى إجمالى النفقات العامة = × 100 = 39.5 %
141.8
41.2
نسبة الفوائد إلى إجمالى النفقات العامة = × 100 = 29 %
141.8
41.2
نسبة الفوائد إلى النفقات الجارية = × 100 = 38.3 %
107.7
56
نسبة خدمة الدين إلى الإيرادات العامة = × 100 = 50.3 %
111.4
56
نسبة خدمة الدين إلى الإيرادات الجارية = × 100 = 57.4 %
97.6
ومن ذلك يظهر أنه يتم تخصيص حوالى 40% من النفقات لخدمة الدين العام وبما يمثل 29% من النفقات الجارية للفوائد وحدها، هذا إلى جانب أنه يتم توجيه حوالى 50% من إجمالى الإيرادات إلى خدمة الدين، بدلاً من إنفاق هذه الإيرادات لتقديم الخدمات للمواطنين.
رابعاً: نصيب المواطن من الدين العام:
لقد بلغ عدد السكان عام 2002/2003م 69.2 مليون مواطن هم الذين يتحملون الدين العام وأعباءه، والمفروض أن يتناسب نصيب الفرد من الدين العام مع إمكانياته متمثلة فى متوسط نصيبه من الدخل القومى، وهذه المناسبة تكون فى حدود الأمان إذا وصل نصيب الفرد من الدين العام 50% من متوسط دخله فى السنة.
فإذا كان متوسط الدخل للفرد فى السنة هو 5491 جنيه(*)
وأن متوسط نصيب الفرد من الدين العام هو: حوالى 7000 جنيه(**)
إذا تكون نسبة نصيب الفرد من الدين العام إلى متوسط الدخل للفرد
7000
= ×100 = 127.5%
5491
وهو يزيد بكثير عن حد الأمان المقدر بـ 50%.
خامساً: مؤشرات الاقتدار المالى العام:
ويستدل بها على مدى قدرة المال العام لمواجهة مشكلة ومخاطر تزايد الديون، ومنه يمكن التعرف على مدى قدرة المالية العامة على مواجهة مشكلة الديون فى المستقبل أم لا ؟ بمعنى تحمل أعباء الموجود منها وتقليل الاعتماد على الديون فى المستقبل
ويتم التعرف على ذلك بعدة مؤشرات من أهمها ما يلى:
أ – مدى تناسب معدل النمو فى كل من الإيرادات العامة والنفقات العامة، حيث يكون الوضع سليماً إذا تساوى المعدل فى كل منهما أو زاد معدل نمو الإيرادات عن معدل نمو النفقات، وبالنظر فى الحالة المصرية نجد أن معدل نمو النفقات يزيد بكثير عن معدل نمو الإيرادات ويتزايد هذا الفرق من سنة لأخرى مما يعنى مزيداً من عجز الموازنة ومزيداً من الدين العام، فبينما كان معدل نمو الإيرادات العامة فى السنوات القليلة السابقة من عام 99/2000 وحتى الآن هو 9.6%، 8.6%، 8%، 5% أخذاً فى التنازل نجد أن معدل نمو النفقات أكبر وأخذاً فى التزايد حيث بلغ فى نفس السنوات 9%، 12%، 13%، 20%.
مدى تناسب سعر الفائدة على الدين العام مع معدل نمو الدين العام، حيث يدل زيادة سعر الفائدة أو تساويها لمعدل نمو الدين العام على الرشد فى إدارة الدين العام وإمكان كبح جماحه، أما لو قل سعر الفائدة عن معدل النمو فى الدين العام، فإن الأمر ينذر بالخطر، ولقد كان الوضع فى مصر منذ بداية الإصلاح الاقتصادى وحتى السنوات الأخيرة يزيد فيه معدل الفائدة على معدل نمو الدين العام ثم انعكس الوضع الآن، فلقد كان متوسط سعر الفائدة حوالى 12% وكان معدل نمو الدين العام 8.4% أما الآن فإن معدل نمو الدين العام وصل إلى 13.5% وهو يزيد عن سعر الفائدة على أذون الخزانة البالغ 9%.
وهكذا تدلنا مؤشرات الدين العام على أنه تعدى مرحلة الأمان بكثير وانتقل من مرحلة الظاهرة وحتى من مرحلة المشكلة التى تحتاج إلى مجهود بسيط لحلها إلى مرحلة الأزمة المستحكمة التى يصعب علاجها فى الأمد القصير، وهذا يؤدى إلى آثار سيئة على مجمل الاقتصاد القومى مما يدل على سوء إدارة الدين العام ويحتاج الأمر إلى تدخل فورى واستراتيجى وفق خطة موضوعية لمحاولة علاج هذه الأزمة، وهذا ما سنحاول بيانه فى المبحث الثالث والأخير.
المبحث الثالث
الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الدين العام
وكيفية الخروج منها
أولاً: الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الدين العام: ويمكن إيجازها فيما يلي:
أـ الأثر على الطلب الكلي: يوجد قدر من الاتفاق بين الاقتصاديين حول أن الدين العام له آثار طيبة على الطلب الكلي في الأجل القصير حيث يمكِّن الحكومة من زيادة الإنفاق العام بما تستدينه، ولكن في الأجل الطويل يحجَّم هذا الطلب عندما تقترض الحكومة لسداد ديونها السابقة والذي لا يمثل طلباً كما هو حادث فى مصر الآن.
ب ـ الأثر على الادخار والاستثمار : من المعروف أنه توجد فجوة بين الادخار والاستثمار في مصر تبلغ حوالى 14% من الناتج المحلي نظراً لأن نسبة الادخار في مصر متدنية تصل إلى حوالي 10% من الناتج المحلي، بينما أدنى نسبة مطلوبة للاستثمار تصل إلى حوالى 24% من الناتج، وبما أن القطاع الخاص يتحمل الجزء الأكبر من الإسهام في الخطة الاستثمارية تصل إلى حوالي 80% ويمولها هذا القطاع من موارده الذاتية وجزءاً كبيراً من المدخرات في المجتمع وتزايد الدين العام يعني مزاحمة الحكومة التي لا تساهم سوي بـ 20% من الخطة الاستثمارية للقطاع الخاص في أسواق رأس المال بما يحرم القطاع الخاص من الموارد وبالتالي يؤثر على تنفيذ الخطة الاستثمارية والناتج المحلي تبعاً لذلك.
جـ- الأثر على المالية العامة: ويظهر ذلك من جانبين: الجانب الأول: أن الدين العام يستخدم لتمويل عجز الموازنة، والجانب الثانى: فإن أعباء خدمة الدين العام تمثل نفقات إضافية فى الموازنة العامة للدولة، ونظراً لسوء إدارة المالية العامة فإن الإنفاق العام بتزايد من سنة لأخرى وبمعدل نموّ أكبر من معدل نمو الإيرادات العامة وبالتالى فإن عجز الموازنة يتزايد ويستمر الأمر الذى يترتب عليه مباشرة تزايد الدين العام واستمراره في حلقة خبيثة مفرغة مما يؤثر على الأداء المالي العام بشكل سيء، ومن الجانب الثاني فإن تخصيص مبالغ كبيرة تصل إلى أكثر من ربع النفقات، وحوالى نصف الإيرادات لخدمة الدين يعني حرمان المواطنين من الاستفادة من هذه المبالغ المخصصة لخدمة أعباء الدين.
د ـ الأثر على ميزان المدفوعات: إذا كان الدين الخارجي يمثل تدفقات نقدية داخله في ميزان المدفوعات مما يساهم في تخفيض العجز الكلى في هذا الميزان فإن خدمة هذا الدين من فوائد وأقساط تمثل تدفقات خارجة تزيد في العجز في الميزان، وهذا ما يحدث في مصر نظراً لتزايد أعباء خدمة الدين الخارجي وخفض الاستثمارات والقروض الأجنبية الواردة لمصر، وهذا فضلاً على أن الاقتصاد المصري يتحمل بالفوائد لصالح المستثمرين من الخارج.
هـ- الأثر على العدالة بين الأجيال من المواطنين: عادة ما يتم الاقتراض فى وقت ويتم السداد في زمن آخر تال له، وإذا كان الجيل الذى حدث في ظله الاقتراض يستفيد بالأموال المقترضة فإن الجيل التالي له هو الذي يتحمل أعباء خدمة هذه القروض بالاقتطاع من الأموال المتاحة للإنفاق على الخدمات اللازمة له، ويمكن القول أن الجيل التالي قد أنتفع بالقروض لو استخدمت في الإنفاق على المشروعات الاستثمارية التي يطول أمد الانتفاع بها إلى سنوات تزيد عن سنوات سداد القرض، ولكن الحالة في مصر تختلف حيث أن الحكومة تستدين لتمويل العجز الجاري أي للإنفاق على خدمات يستفيد بها الجيل الحالي فقط، هذا فضلاً على أن الحكومة تقترض ولا تستخدم ما تقترضه في تمويل استثماراتها مثلما هو حادث بالنسبة للسندات الدولارية، بل على العكس تخسر فرق سعر الفائدة كما سبق ذكره وكل ذلك يدل على أن الدين العام بحالته المصرية يؤدي إلى عدم العدالة بين الأجيال من المواطنين بما يظلم الأجيال اللاحقة.
ثانياً: إدارة الدين العام في مصر: ونتناوله على الوجه التالى:
أـ مظاهر سوء إدارة الدين العام في مصر: وتتمثل في الآتي:
1ـ تزايد الدين العام من سنة إلى لأخرى حسبما تم ذكره.
2ـ استمرار وتزايد عجز الموارنة العامة مما يعني استمرار أزمة الدين العام.
3ـ ظهور عجز في الموازنة الجارية ينذر بالخطر.
4ـ تزايد أعباء خدمة الدين.
5ـ عدم استخدام بعض القروض مع تحمل الاقتصاد المصري بالفوائد.
6ـ الإقراض بسعر فائدة مرتفع وإعادة إقراض نفس المبالغ بسعر فائدة منخفض كما هو حادث فى السندات الدولارية.
7ـ استمرار الحكومة في الاقتراض لسداد القروض السابقة وأعبائها دون أن يكون لديها تصور واضح عن كيفية الخروج من هذه الحلقة الخبيثة.
ب- الحلول التي تحاول بها الحكومة الخروج من هذه الأزمة: نظراً لاعتراف الحكومة بان مشكلة الدين العام وصلت إلى مرحلة الأزمة الخطيرة، بدأت في اتخاذ عدة خطوات لعلاجها منها ما يلي:
1ـ إعادة تصوير الموازنة العامة تحت مسمي «العمليات المالية الموحدة للحكومة» ضمت بموجبها إلى قائمة الموازنة العمليات المالية الخاصة بكل من بنك الاستثمار القومي وهيئة السلع التموينية وصناديق التأمين الإجتماعى وذلك باعتبار أن بنك الاستثمار القومي وما يحصل عليه من أموال صناديق التأمين الاجتماعي هو الدائن الأكبر للحكومة، وأن هيئة السلع التموينية تستحوذ على الدعم الحكومى لشراء السلع المدعمة، وهذا الإجراء الإدارى فضلاً على مخالفته للمادة الأولي من قانون الموازنة رقم (53) لسنة 1973 التي حددت نطاق الموازنة العامة للدولة بما لا يدخل هذه الجهات من الموازنة لأنها هيئات اقتصادية لا تشملها الموازنة، فإنه إجراء شكل حسابي اتخذ لإظهار خدمة الديون بأقل من حقيقتها.
2ـ نقل تبعية بنك الاستثمار القومي إلى وزارة المالية بدلاً من وزارة التخطيط بالمخالفة لقانون بنك الاستثمار القومي، وهذا أيضاً إجراء شكلي لا يسدد الديون وإنما الغرض منه تخفيض الديون شكلياً بتبعية الدائن (بنك الاستثمار القومي) للمدين وهو وزارة المالية.
3ـ إتباع نظام الموازنة بدلاً من نظام الرصيد التراكمي في إدارة التأمينات الاجتماعية، حيث يقوم نظام الرصيد التراكمي على استغلال هيئة التأمينات الاجتماعية وتحصيلها حصص الاشتراك في التأمين من العاملين وأصحاب الأعمال واستثمارها ثم دفع المعاشات من حصيلة الاشتراكات وعائد الاستثمار، ونظراً لأن المحصل يكون عادة أكبر من التأمينات والمعاشات المدفوعة، فإن الفائض يتراكم من سنة لأخرى حتى وصل الآن إلى حوالي 180 مليار جنيه يتم إقراض الجزء الأكبر منه للحكومة والهيئات العامة الاقتصادية بواسطة بنك الاستثمار ويدخل في إطار الدين العام، ولقد فكرت الحكومة في سبيل إدارتها للدين العام في التخلص من ديون هيئة التأمينات فطرحت فكرة نظام الموازنة السنوية الذي يقضي أولاً بإزالة ديون التأمينات من الدين العام على أن تظهر الاشتراكات المحصلة في جانب الموارد بالموازنة العامة للدولة مقابل أن تتعهد الحكومة بسداد المعاشات السنوية ويظهر ذلك ضمن النفقات العامة في الموازنة، وبذلك تحرم التأمينات من فوائدها على الرصيد التراكمي الذي كان يمثل دخلاً لمساندة الاشتراكات في دفع المعاشات، ونظراً لأن نظام الموازنة فشل في الدول التي طبقته وأنه لاقي معارضة كبيرة من الرأي العام فلقد توقفت الحكومة عن الحديث عنه رغم تشكيلها لجاناً على مستوي كبير لدراسته.
4ـ أخيراً بدأت الحكومة في سبيل التخلص من ديون التأمينات بطرح مشروع لبيع بعض شركات القطاع العام إلى هيئة التأمينات مقابل ديونها وما زال هذا الحل تحت الدراسة ولكن توجد ملاحظات عليه من أهمها ما يلي:
ـ إذا كانت أموال التأمينات في المنظور العام تحت يد الحكومة وشركات القطاع العام شركات حكومية فإن الأمر لا يمثل أكثر من نقل ملكية شيء إلى نفس المشرف عليه.
ـ ٍإذا كانت الحكومة فى برنامج الخصخصة قد باعت حوالي 50% من شركات القطاع العام بحوالي 16 مليار جنيه، وأن الشركات الباقية أغلبها شركات خاسرة وتعاني من خلل في هياكلها التمويلية وأن ديون هيئة التأمينات على الحكومة تبلغ حوالي 130 مليار جنيه، فهل تكفي الشركات الخمس المقترح بيعها لسداد هذا الدين؟
ـ إن استثمارات أموال التأمينات بعائد ثابت حوالي 9% تمثل دخلاً مضموناً لها وأخذ هذه الشركات مكانها وهي شركات خاسرة ، وحتى إن كانت تحقق ربحاً فإن الربح متقلب ونسبته أقل من نسبة الفائدة التي تحصل عليها التأمينات حالياً مما يعرضها للمخاطر.
إذاً ما هو الحل ؟ ! !
إن الحل لمواجهة أزمة الدين العام يجب أن يتركز أولاً: حول علاج أسبابه وهي كل من:
العجز في الموازنة العامة للدولة: وذلك ليس بتقليل النفقات وإنما بترشيدها والتوقف فوراً عن الإنفاق الترفى المتمثل بالدرجة الأولي في الإنفاق على السيارات الفاخرة وتغيير الأثاث والمفروشات في الوزارات والإعلانات الحكومية خاصة التي تدخل في نطاق النفاق الاجتماعي وإدارة المخزون الحكومي إدارة رشيدة، وتقليل إقامة الاحتفالات والإنفاق على السفريات والمؤتمرات، والأمر يطول جداً في هذا الصدد، ثم تنشيط تحصيل الإيرادات الحكومية خاصة من الضرائب المستحقة على أصحاب الدخول العالية والأثرياء.
العجز في الهيئات العامة الاقتصادية التي خرجت عن طبيعتها في أنها يجب أن تمول أنشطتها من مواردها وتحقق فائضاً وهذا ما لم يحدث رغم أنها تمارس أنشطة يمارسها القطاع الخاص ويحقق عائداً مرتفعاً، فعلي سبيل المثال كيف يحقق اتحاد الإذاعة والتليفزيون عجزاً وهناك المئات من محطات الإذاعة والتليفزيون الخاصة التي تحقق أرباحاً ؟! ثم كيف تحقق هيئة السكك الحديدية عجزاً بلغ حوالي 1.9 مليار جنيه . وكذا هيئة النقل العام بالقاهرة رغم وجود شركات نقل قطاع خاص تعمل في نفس المجال تحقق فائضاً ؟ ! !.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الهيئات العامة الاقتصادية تبيع خدماتها للمواطنين بأسعار كبيرة تعادل أسعار السوق.
هذا كله إلى جانب ترشيد إدارة الدين العام في جوانبه الأخرى التي سيقدم عنها بحثاً مستقلاً في هذه الندوة، ولذا نكتفي بهذا القدر .
ولا يفوتنا قبل ختام البحث أن نشير فى إيجاز إلى موقف الإسلام من الدين العام وذلك فى الفقرة التالية:
الفقرة الختامية: موقف الإسلام من الدين العام: ونوجزه فى التالى:
أولاً: مدى مشروعية الدين العام:
يمكن القول إن اقتراض الحكومة لتمويل النفقات العامة عندما تعجز مواردها الذاتية عن ذلك أمر جائز شرعاً، ويستند ذلك إلى فعل الرسول r فى إدارته للدولة، كما يظهر من الأدلة التالية:
أ – ذكر الخطابى فى شرح حديث «إن خيار الناس أحسنهم قضاًٍ» أن الرسول r إنما استسلف لأهل الصدقة من أرباب الأموال([8]).
ب- روى البيهقى والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبى r أمره أن يجهز جيشاً فنفذت الإبل فأمره أن يأخذ – يقترض – على قلائص الصدقة»([9]).
جـ- روى ابن ماجه والنسائى وأحمد عن عبد الله بن أبى ربيعة أن النبى r استسلف منه حين غزا حنيناً ثلاثين أو أربعين ألفًا فلما قدم قضاه إياها»([10]).
د – بل إن الرسول r اتبع أسلوباً غير مسبوق ولا ملحوق فى تمويل العجز وهو تعجل بعض الإيرادات العامة أى تحصيلها قبل موعدها كما حدث حينما ذهب عامل الزكاة إلى العباس لتحصيل الزكاة منه فأخبره أنه سبق أن دفعها لرسول الله r فعاد العامل للرسول r فقال له: «إنا كنا قد احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين»([11]).
ثانياً: الضوابط الإسلامية للدين العام:
إذا كان الدين العام جائزاً شرعاً بأصله فإنه توجد ضوابط يجب على الحكومة مراعاتها عند التوجه للاقتراض من الغير ويمكن تلخيص هذه الضوابط فى الآتى:
أ – أن لا يكون الاقتراض بفائدة لأن فوائد القروض من الربا المحرم شرعاً بالإجماع.
ب- أن تكون هناك حاجة ضرورية للاقتراض، وهذه الضرورة تفهم مما فعله الرسول r حيث كان يقترض وقت الأزمات وهى المتعلقة بالحروب والغزوات، وكما يقول أحد العلماء «إنما يجوز لولى الأمر الاقتراض فى الأزمات».
جـ- أن يكون الاقتراض لتمويل النفقات الضرورية التى لابد من دفعها وهو ما يسمى الآن فى الفكر المالى «بالحتميات» ولا يقترض لتمويل مشروعات الارتفاق وهى ما يعبر عنها الآن «بالمقترحات الجديدة» وهذا ما يصوره الإمام الماوردى بقوله: «فلو اجتمع على بيت المال حقان ضاق عنهما واتسع لأحدهما صرف فيما يصير منهما ديناً (الحتميات) دون الإرتفاق (المقترحات الجديدة) فلو ضاق عن كل واحد منهما جاز لولى الأمر إذا خاف الفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه فى الديون دون الارتفاق»([12]).
د – فى البداية من واجب الدولة العمل على محاولة التوازن بين النفقات والإيرادات العامة حتى لا يحدث عجز يتزايد ويتراكم ويؤدى إلى مخاطر عديدة، وهذا ما يصوره أحد العلماء فى صورة ملموسة بقوله: «واعلم أن حاصل المملكة (الإيرادات العامة) إن كان بإزاء مؤنها (موازى للنفقات) كانت كالسفينة وسط البحر الذى قد أحكم أمرها على هدوئه ولم يؤمن عليها من الغرق فى وقت اهتياجه، وإن كان حاصلها دون ما يلزم لها (حالة وجود عجز) حملت قومها على فتح باب المماطلة (أى الاستدانة وسداد الديون بديون متجددة إلى أن تصل إلى التوقف عن سداد الديون) وعدت بهم عن تدبير أمرها فى المطالبة بالعاجل منها، وأخطرت بدمائهم وأموالهم وكان ما يجرى من سعيهم مفسداً لأمرهم فى مستقبل الزمان، وهذا أقبح ما يستعرض ، وأما إن كان حاصلها أكثر مما يلزم فأوضح صلاحاً من أن يحتاج إلى تمثيل أو تعديد»([13]).
د – يجب على الدولة عدم الاقتراض ما لم تكن لديها القدرة على السداد كمنا جاء : لا يجوز لولى الأمر الاقتراض ما لم يكن هناك دخل يرتجى لبيت المال يتم سداد القرض منه».
وفى النهاية نختم بحثنا بالدعوة إلى الله عزوجل أن يجنب مصرنا العزيزة الأزمات وأن يعمُّها بالرخاء ورغد العيش إنه سميع الدعاء
[1]) من ذلك دراسة معهد التخطيط القومى حول ” «إدارة الدين العام المحلى» منشورة فى سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم 158 بتاريخ يوليو 2002م ودراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء فى أكتوبر 2003م.
[2]) البيانات فى هذا البحث مستقاه من: النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى المصرى العدد 79 أكتوبر 2003، وورقة العمل المقدمة للمؤتمر التاسع للحزب الوطنى الديموقراطى عام 2003م، وأعداد مختلفة من مجلة البنك الأهلى المصرى إلى جانب المراجع أعلاه فى البند السابق.
[3]) يطلق عليها أيضاً «القروض العامة» وذلك لدى كتَّاب المالية العامة.
[4]) من الجدير بالذكر أن الحكومة أعلنت هذا الأسبوع فى الجرائد عن الاكتتاب فى دفعة جديدة من هذه السندات بمبلغ 4 مليار جنيه.
[5]) إذا كانت الودائع الحكومية أكبر مما سحبته فإن الرصيد يكون بالموجب وتخفض به مديونياتها.
[6]) النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى المصرى ، العدد (79) أكتوبر 2003م
[7]) من الجدير بالذكر أن الفوائد على الدين الحكومى حسبما يظهر فى قطاع الموازنة هو 26.5 مليار جنيه، وأنه بإضافة بيانات بنك الاستثمار القومى وهيئة السلع التموينية (وهما هيئة اقتصادية عامة) يرتفع ليصل إلى 41.2 مليار، ثم بإضافة بيانات صناديق التأمينات الاجتماعية (وهى هيئة اقتصادية عامة) تنزل الفوائد إلى حوالى 24.1 مليار جنيه، وهذا م ا يظهر فى الأسلوب الجديد الذى اتبعته وزارة المالية فى إعداد بيانات الموازنة تحت مسمى «العمليات المالية الموحدة للحكومة العامة» وبسبب تغير رقم الفوائد هو توحيد بيانات الجهة المدينة والجهة الدائنة، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذا الرقم لا يشمل أعباء خدمة الدين العام فى باقى الهيئات العامة الاقتصادية
*) حسب هذا المتوسط بقسمة الدخل القومى(380 مليار جنيه) على عدد المواطنين 69.2 مليون مواطن.
**) حسب هذا المتوسط بقسمة الدين العام 485 مليار جنيه على عدد المواطنين 96.2 مليون مواطن.
[8]) معالم السنن للخطابى – دار المعرفة بيروت 5/19.
[9]) السنن الكبرى للبيهقى – مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1352هـ – 5/287 – والقلائص جمع قلوص وهى الناقة الشابة.
[10]) سنن ابن ماجه – تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى – 2/59.
[11]) الأموال لأبى عبيد بن سلام – تحقيق محمد خليل هراس – ص 522.
[12]) الأحكام السلطانية للماوردى – مطبعة الحلبى بمصر – الطبعة الثالثة 1973م، صـ215.
[13]) أبو جعفر الدمشقى: «الإشارة إلى محاسن التجارة» مكتبة الكليات الأزهرية 1977م، صـ15.
مقدمــة
الدين العام هو ما تقترضه الجهات العامة فى الدولة من الغير لتمويل أعمالها نظراً لعجز مواردها الذاتية عن الوفاء بما تتطلبه هذه الأعمال من نفقات، والدين العام ظاهرة عالمية مقبولة إلى حد معين ووفق ضوابط معينة، ولكن إذا زاد الدين عن هذا الحد وخرج عن هذه الضوابط فإنه يكون مشكلة بل قد يتفاقم الأمر إلى كونه أزمة تؤدى إلى آثار سيئة ومخاطر كبيرة على المال العام وعلى الاقتصاد القومي كله.
ويمكن القول إن الدين العام فى مصر وصل إلى مرحلة الخطورة والأزمة، وهذا ما يظهر فى الدراسات العلمية التى تناولت الدين العام([1]) وكان موضوع الدين العام أحد موضوعات المؤتمر التاسع للحزب الوطنى هذا العام 2003م ، كما أن وزارة المالية المسئولة عن إدارة الدين العام بدأت فى البحث عن حلول لعلاجه.
ومركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي باعتباره إحدى وحدات جامعة الأزهر ومن أهم أهدافه الإسهام فى دراسة وعلاج القضايا والمشكلات الاقتصادية يعقد ندوة حول «إدارة الدين العام» من أجل توصيف المشكلة وتقديم مقترحات حول علاجها، وهذا البحث يمثل أحد الأوراق المقدمة للندوة والتى تتناول موضوع: «المفاهيم الأساسية ومؤشرات وآثار الدين العام» حيث نتناول فيها معنى الدين العام وأنواعه وهيكله، ثم نورد فيها المؤشرات المتعارف عليها التى يمكن بواسطتها قياس المستوى الآمن والمناسب لحجم وهيكل الدين العام وتطبيق هذه المؤشرات على الدين العام المصرى لمعرفة إن كان فى الحدود الآمنة أو وصل إلى مرحلة الخطر ودرجة هذه الخطورة، وأخيراً نتناول آثار الدين العام على جوانب ومقومات الاقتصاد بشكل عام، وانطلاقاً من دور جامعة الأزهر فى خدمة الدين الإسلامي وبيان كيفية الاستفادة به فى الحياة نختتم البحث بإطلاله على موقف الإسلام من الدين العام، والبحث بهذا الشكل يمثل خطوة ضرورية فى توصيف المشكلة حتى يمكن تحديد كيفية علاجها عن طريق الإدارة الرشيدة للدين العام وهو ما تتناوله البحوث الأخرى فى الندوة
ولتحقيق ذلك تم تنظيم البحث فى المباحث التالية([2]):
المبحث الأول: المفاهيم الأساسية للدين العام.
المبحث الثانى: مؤشرات الدين العام.
المبحث الثالث: آثار الدين العام.
الخاتمة: موقف الإسلام من الدين العام.
المبحث الأول
المفاهيم الأساسية للدين العام
أولاً: مفهوم الدين العام([3]):
يقصد بالدين العام المبالغ التى تلتزم بها إحدى الوحدات العامة فى الدولة للغير نتيجة اقتراضها هذه المبالغ لتمويل العجز فى الموازنة مع التعهد بالسداد بعد مدة ودفع فائدة على رصيد الدين حسب شروط إنشاء هذا الدين.
ومن هذا المفهوم يتضح ما يلى:
أ ) أن مصطلح الدين العام يشتمل على المبالغ النقدية المقترضة، وبالتالى لا يدخل فيه الدين التجارى عن الناتج عن توريد سلع وخدمات فى الباب الأول والثانى فى الموازنة وكذا ما يعرف بالمستحقات الاستثمارية وهى المبالغ المستحقة للمقاولين والموردين عن أعمال استثمارية والتى تقدر فى مصر حالياً بحوالى 40 مليار جنيه.
ب) أن الوحدات العامة التى استدانت بالدين العام لا يدخل فيها شركات قطاع الأعمال العام أو البنوك العامة، بل تتحدد فى كل من: الحكومة والهيئات العامة الاقتصادية، وبنك الاستثمار القومى، على الوجه التالى:
1- الحكومة: ويمثلها الخزانة العامة بوزارة المالية وهى مسئولة عن الدين المطلوب لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة ومن المعروف طبقاً لقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقانون رقم 11 لسنة 1979 أن الجهات الداخلة فى نطاق الموازنة العامة للدولة هى كل من:
– الجهاز الإدارى للدولة (الحكومة المركزية) وتشمل الوزارات والمصالح الملحقة بها وقطاع الخدمات الرئاسية.
– الهيئات العامة الخدمية: وهى حوالى 43 هيئة تتمتع باستقلال مالى وإدارى وتقدم خدماتها للمواطنين مجاناً أو بسعر رمزى، ومن أمثلتها: الجامعات، هيئة السد العالى، الهيئة العامة للطيران المدنى، دار الكتب ….
– وحدات الحكم المحلى: تتمثل فى المحافظات والوحدات الخدمية التابعة لها.
2- الهيئات العامة الاقتصادية: وهى الهيئات التى تقدم خدمة عامة بأسلوب اقتصادى بمعنى أن تمول نفقاتها من إيراداتها المتحصلة من بيع هذه الخدمات وتحقق فائضاً، وتبلغ 62 هيئة ، ومن أمثلتها هيئة السكك الحديدية، وهيئة النقل العام بالقاهرة، وهيئة ميناء القاهرة الجوى، وهيئة الأوقاف المصرفية، والهيئة العامة للتأمين الصحى، واتحاد الإذاعة والتليفزيون .. ولكن نظراً لسوء الإدارة وتدهور الأداء فى هذه الهيئات أصبح الغالب منها يحقق عجزاً وليس فائضاً الأمر الذى ترتب عليه تزايد مديونياتها التى تضمنها الحكومة.
3- بنك الاستثمار القومى: أنشئ بنك الاستثمار القومى بموجب القانون 119 لسنة 1980 من أجل أن يوفر التمويل اللازم للاستثمارات القومية التى تقوم بها الحكومة أو القطاع الخاص أو القطاع العام، على أن تودع فيه المدخرات القومية من أموال التأمينات والمعاشات ومن حصيلة شهادات الاستثمار ومن صندوق توفير البريد إلى جانب ما يمكن تدبيره من مدخرات محلية وخارجية، وكان البنك حسب قانون إنشائه يتبع وزارة التخطيط باعتبارها المشرفة على تنفيذ الخطة الاستثمارية فى الدولة، وتم نقل تبعيته عام 2002 إلى وزارة المالية.
جـ) أعباء خدمة الدين العام: ويعنى ذلك ما تتحمله الجهات المدينة من مبالغ تحسب وتدفع دورياً للدائنين ممثلة فى كل من:
الفوائد/ وهى نسبة مئوية من قيمة الدين تدفعها الجهة المدينة للجهة الدائنة، وهذه الفوائد تظهر فى الموازنة الجارية للدولة سنوياً وتمثل أحد بنود الإنفاق الجارى.
أقساط سداد الدين، وهى المبالغ التى يتم سدادها دورياً من أصل الدين للدائنين فى موعد استحقاقها حسب شروط الإقتراض وتظهر فى موازنة التحويلات الرأسمالية.
ثانياً: هيكل الدين العام:
يعنى بهيكل الدين العام تحديد المديونية لكل جهة من الجهات العامة السابق ذكرها ومصادر هذا الدين، وبذلك يتمثل هيكل الدين العام فى كل من:
أ ) الدين الحكومى: وهو الدين المستحق على الخزانة العامة للدولة، ويتكون من:
1- دين بموجب السندات الحكومية (سندات الخزانة): سواء كان إجبارياً بموجب قانون الشركات الذى يلزم كل شركة مساهمة بشراء سندات حكومية بما يعادل 5% من صافى الربح سنوياً. أو سندات الإسكان والطاقة وخلافها، وهى تمثل قروضاً طويلة الأجل، أو ديناً اختيارياً فيما تطرحه الحكومة من سندات للاكتتاب العام([4]).
2- دين بموجب أذون الخزانة: وهى أداة مالية قصيرة الأجل (تطرح كل ثلاثة أشهر) وعادة ما يكتتب فيها البنوك بصفة أساسية (حوالى 80% من قيمة هذه الأذون تشتريها البنوك) أى أن البنوك هى الدائنة للحكومة بها.
3- الإقتراض من بنك الاستثمار القومى: مما جمعه من أموال التأمينات وشهادات الاستثمارات وصناديق توفير البريد.
4- صافى أرصدة الحكومة لدى الجهاز المصرفى ، وهى الفرق بين الودائع الحكومية فى البنوك وبين ما سحبته منها([5]).
ب) مديونية الهيئات العامة الاقتصادية: وتتكون من :
1- اقتراض هذه الهيئات من بنك الاستثمار القومى.
2- صافى أرصدة الهيئات لدى الجهاز المصرفى، وتتمثل فى الزيادة التى سحبتها هذه الهيئات عن قيمة ودائعها لدى المصارف.
جـ) مديونية بنك الاستثمار القومى: كما سبق القول فإن بنك الاستثمار القومى يحصل على المدخرات الوطنية ممثلة فى أموال التأمينات وشهادات الاستثمار للبنك الأهلى، وصناديق توفير البريد، وتقرض منها الحكومة والهيئات الاقتصادية، والباقى يمثل ديوناً فى ذمة بنك الاستثمار القومى يدخل فى هيكل الدين العام.
وهذه الأنواع الثلاثة من المديونية يطلق عليها «الدين العام المحلى» وبإضافة «الدين العام الخارجى» عليه يتكون «الدين العام» فى إجماله وسوف نتعرف على ذلك أكثر فى الفقرة التالية.
ثالثا: الدين العام المحلى والدين العام الخارجى
الدين العام المحلى:
ويعنى به ما اقترضته الجهات الثلاثة بالعملة المحلية (الجنيه المصرى) وعادة يكون الدائن جهات وطنية، وينقسم إلى نوعين:
الدين العام المحلى بمفهومه الضيق: ويتكون من مديونية الحكومة ومديونية الهيئات العامة الاقتصادية.
الدين العام المحلى الواسع: ويتكون من المديونية السابقة إضافة إلى مديونية بنك الاستثمار القومى.
ب- الدين العام الخارجى:
إن الدين الخارجى بمفهومه الشامل وما يطلق عليه في اللغة الدارجة (ديون مصر) يعنى به أو يتمثل في الالتزامات القائمة (رصيد الدين) بالعملة الأجنبية على المقيمين تجاه غير المقيمين ويتم سداده أو تسويته بالعملة الأجنبية([6]).
ويعنى بالمقيمين: الأفراد أو الجهات المقيمة في مصر، وغير المقيمين: الأجانب مؤسسات أو حكومات أو أفراد.
وهو بهذا التصور يتكون من القروض الثنائية الميسرة وغير الميسرة، والقروض من المؤسسات الدولية، والإقليمية، وتسهيلات الموردين، وصافى ودائع غير المقيمين في الجهاز المصرفى، كما أنه من حيث القطاع المدين يتكون من الديون الحكومية، وديون على السلطة النقدية (البنك المركزى) وديون على البنوك، وديون على القطاعات الأخرى ومنها القطاع الخاص، ولقد كان هذا الدين الخارجى (ديون مصر) في بداية التسعينات من القرن العشرين وصل إلى حوالى 55 مليار دولار تم تسوية جزء كبير منه عن طريق التسويات في نادى باريس بإعادة جدولتها وتخفيض 50% من صافى قيمتها، كما قامت دول الخليج بإسقاط بعض ديونها على مصر عقب اشتراكها في حرب الخليج عام 1991، وبالتالي وصل الدين الخارجى إلى حوالى 33 مليار دولار، وبدأت مصر في سداد ما عليها حتى وصل رصيد الدين الخارجى إلى أدنى مستوى له حوالى 26 مليار دولار في منتصف عام 2001/ 2002، ثم بدأ في التزايد نتيجة إصدار السندات الدولارية ليصل الآن (30/6/2003) إلى مبلغ 28.8 مليار دولار، وينقسم هذا الدين من حيث القطاعات المدينة إلى:
دين على الحكومة: 18.6 مليار جنيه
دين على البنك المركزى (السلطة النقدية) 0.97 مليار جنيه
دين على البنوك 2.1 مليار جنيه
دين على القطاعات الأخرى ومنها القطاع الخاص 7.3 مليار جنيه
وحسب ما سبق بيانه من مفهوم الدين العام فإن ما يخصه من الدين الخارجى هو الدين على الحكومة الذي يبلغ 18.6 مليار دولار.
هذا، ومن الجدير بالذكر أنه من ضمن هذا الدين العام الخارجى ما أصدرته الحكومة المصرية في 29/6/2001 من سندات دولارية في الأسواق الدولية بقيمة 1.5 مليار دولار في إصدارين: الأول بقيمة 500 مليون دولار لمدة خمس سنوات بفائدة تدفعها الحكومة المصرية بمعدل 7.6% من القيمة الأسمية للسند، أما الإصدار الثاني فيبلغ مليار دولار لمدة عشر سنوات بفائدة 8.75%، ومن العجب أن حصيلة هذه السندات المليار ونصف تقوم الحكومة المصرية باستثمارها في شراء أذون خزانة أمريكية بفائدة 1.2% في حين أن الحكومة المصرية تدفع عنها فائدة حوالى 8% مما يشير إلى أن مصر تخسر لصالح أمريكا فرق هذه الفوائد أي أنها تدفع فوائد سنوية ما مقداره 87538000 دولار وتحصل فوائد تبلغ 18000000 دولار، وبذلك تخسر مصر سنويا حوالى 69538000 دولار لصالح الخزانة الأمريكية.
ولمزيد من التعرف على هيكل الدين العام المصرى نورد الجدول التالى:
هيكل الدين العام فى 30/6/2003
(المبالغ بالمليار جنيه)
بيان مبلغ مبلغ
الدين العام المحلى:
الدين الحكومى المحلى:
السندات الحكومية 153.3
أذون الخزانة 55.3
الاقتراض من بنك الاستثمار القومى 123.9
332.5
يطرح: صافى أرصدة الحكومة لدى الجهاز المصرفى (80.3)
إجمالى الدين الحكومى المحلى 252.2
مديونية الهيئات العامة الاقتصادية:
الاقتراض من بنك الاستثمار القومى 50.1
يطرح: صافى أرصدة الهيئات لدى الجهاز المصرفى (10.9)
صافى المديونية 39.2
مديونية بنك الاستثمار القومى:
موارد البنك:
أموال التأمينات الاجتماعية والمعاشات 174.8
حصيلة شهادات استثمار البنك الأهلى 61.8
حصيلة ودائع صندوق توفير البريد 22.3
حصيلة سندات التنمية الدولارية 1.7
موارد أخرى 1.7
التوظيفات 262.3
إقراض للحكومة 123.9
إقراض للهيئات الاقتصادية 50.1
صافى أرصدة البنك لدى الجهاز المصرفى 9.1
183.1
صافى المديونية 79.2
إجمالى الدين العام المحلى 370.6
+ الدين الحكومى الخارجى (18.6 دولار بسعر صرف 6.15 للدولار) 114.4
إجمالى الدين العام 485.0
رابعا: أعباء خدمة الدين العام:
وتتمثل في ما يتم تحميل المال العام به من فوائد على الديون وأقساط السداد المستحقة كل سنة، وتبلغ هذه الأعباء خلال عام 2002/ 2003 مبلغ 56 مليار جنيه موزعة كالآتي([7]):
بيـــان الفوائد أقساط جملة
ما يخص الدين العام المحلى 38.2 6.2 44.4
ما يخص الدين العام الخارجى 3 8.6 11.6
الجملة 41.2 14.8 56
وبذلك ننتهى من المبحث الأول الذي حاولنا فيه بيان المفاهيم الأساسية للدين العام وتوصيف الدين العام في مصر على أساسها، مما يمكن من التعرف على الوضع القائم لهذا الدين، وبيان مدى سلامته، وهذا ما سنتعرف عليه فى المبحث الثانى.
المبحث الثاني
مؤشرات الدين العام
ومقياس مدى الرشد في إدارة الدين العام في مصر
في المبحث السابق تعرفنا على الوضع القائم للدين العام في مصر، وفي هذا المبحث سوف نحاول تحديد المؤشرات التي يحكم بها عادة على الدين العام لبيان إن كان الأمر في مرحلة الظاهرة المقبولة أم تعداها إلى مرحلة الخطورة والمشكلة أو الأزمة، وبالتالي يمكن الحكم على مدى الرشد في إدارة الدين العام، وتتعدد المؤشرات التي تذكر في هذا المجال وسوف نقتصر منها على المؤشرات الأساسية التي توضح الصورة سواء في التعرف على درجة الخطورة في إدارة الدين العام القائم أو مدى الاقتدار أو القدرة على تلافى هذه المخاطر في المستقبل، وذلك كله نوضحه في الفقرات التالية:
أولا: الدين العام والناتج المحلى الإجمالي:
إن العلاقة بين الدين العام والناتج المحلى الإجمالي علاقة عضوية، حيث أنه يتم تمويل إنتاج هذا الناتج من مصادر ذاتية للوحدات المساهمة فيه، ومصادر خارجية من وحدات أخرى، وأن القطاعات الاقتصادية ومنها القطاع الحكومى يساهم في إنتاج هذا الناتج، وما يدفع من فوائد وأعباء سداداً للديون يمثل أحد بنود تكاليف الإنتاج عن قروض سابقة ربما لم تساهم الآن في هذا الناتج، ولذا فإنه تقاس هذه العلاقة بمؤشرين هما:
المؤشر الأول: نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالي، وتكون هذه النسبة في حدود الأمان إذا لم تتجاوز 60% أما إذا زادت عن ذلك فإن الأمر يمثل مشكلة فإذا تزايد كثيراً فإننا نكون قد وصلنا إلى مرحلة الأزمة الخطرة، ومن الجدير بالذكر أن الناتج المحلى الإجمالى يقاس بعدة مقاييس هى:
الناتج المحلى بتكلفة عوامل الإنتاج.
الناتج المحلى بسعر السوق: وهو عبارة عن قيمة الناتج المحلى بتكلفة الإنتاج إضافة إلى صافى الضرائب غير المباشرة (الضرائب غير المباشرة- إعانات الإنتاج) كما أنه يقاس كل منهما إما بالأسعار الثابتة لتلافى نتيجة التضخم وانخفاض القوة الشرائية للجنيه أو بالأسعار الجارية وهى تزيد عادة عن الأسعار الثابتة بمعدل التضخم ما بين سنة الأساس والسنة الحالية.
وبتطبيق ذلك على الوضع في مصر نجد ما يلي: (بيانات أساسية في 30/6/2003)
الدين العام يبلغ 485 مليار جنيه
الدين العام المحلى 371 مليار جنيه
الدين العام الخارجي 114 مليار جنيه
الدين الحكومى 252.2 مليار جنيه
الناتج المحلى الإجمالى بالتكلفة (بالأسعار الجارية) 380 مليار جنيه – 263 مليار جنيه (بالأسعار الثابتة)
الناتج المحلى الإجمالى بسعر السوق (بالأسعار الجارية) 409 مليار جنيه – 393 مليار جنيه (بالأسعار الثابتة)
وبالتالي تكون مؤشرات علاقة الدين العام بالناتج المحلى الإجمالى كما يلى:
485
نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى بالتكلفة = × 100 = 127.6 %
380
485
نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى بسعر السوق = × 100 = 118.6 %
409
371
نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج بالتكلفة = × 100 = 97.6 %
380
371
نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج بسعر السوق = × 100 = 90.7 %
409
366.6
نسبة الدين الحكومى (محلى وخارجى)إلى الناتج بسعر السوق = × 100 = 89.6 %
409
252.2
نسبة الدين المحلى الحكومى إلى الناتج بالتكلفة = × 100 = 66.4 %
380
252.2
نسبة الدين المحلى الحكومى إلى الناتج بسعر السوق = × 100 = 61.7 %
409
وبذلك يتضح أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى تعدت حدود الأمان حتى فى أدنى صور الدين وهى الدين المحلى الحكومى، ومع مراعاة أن الناتج هنا مقاس بالأسعار الجارية وهو يزيد عن الناتج بالأسعار الثابتة حتى يمكن المقارنة بين السنوات.
ب) المؤشر الثانى:
مقارنة معدل نمو الدين العام بمعدل نمو الناتج المحلى، ووضع الأمان يكون بتساوى أو زيادة معدل نمو الناتج المحلى عن معدل نمو الدين العام، ولكن الملاحظ فى الحالة المصرية أن الدين العام يتزايد بمعدل سنوى أكبر من معدل نمو الناتج، فعلى سبيل المثال كان الدين العام المحلى سنة 1981 حوالى 11 مليار جنيه ثم تطور بالزيادة ليصل فى بداية فترة الإصلاح الاقتصادى فى بداية التسعينات إلى 76 مليار جنيه قفز فى نهايتها ليصل عام 2000/2001 إلى 290 مليار جنيه ثم ليصل هذا العام إلى 371 مليار جنيه، ولقد كان معدل نمو الناتج المحلى يزيد عن معدل نمو الدين العام فى بداية فترة الإصلاح الاقتصادى حيث كان المعدل السنوى المركب لنمو الناتج المحلى فى الفترة من عام 1991 وحتى عام 1997 نحو 13% والمعدل السنوى المركب لنمو الدين العام خلال نفس الفترة 9.1% ، ثم انقلب الأمر ليزيد معدل نمو الدين العام خلال الفترة من 1998 وحتى الآن إلى 13.5% فى حين بلغ معدل النمو السنوى المركب للناتج المحلى 6.8% خلال نفس الفترة مما يدل على خطورة الأمر وسوء إدارة الدين العام.
ثانياً: الدين العام وعجز الموازنة:
إن السبب الرئيسى للجوء الدولة إلى الاستدانة بدين عام هو عجز الموازنة الذى يعنى نقص الإيرادات العامة عن مواجهة النفقات العامة المتزايدة، وكلما زاد العجز واستمر كلما زاد الدين العام، والواقع فى مصر يظهر أن الموازنة العامة للدولة تعانى من عجز مستمر وتزايد فى السنوات الأخيرة، بل إن الأمر السئ والوضع الخطر يظهر فى وجود عجز جارى لأول مرة فى تاريخ الموازنة العامة فى مصر بدأ بـ 3.7 مليار جنيه عام 2001/2002 ، ثم زاد ليصبح 10.1 مليار جنيه عام 2002/2003، هذا ومن الجدير بالإشارة إلى أن العجز الظاهر هنا هو العجز المقدر فى الموازنة أما عند التنفيذ الفعلى فإنه يتزايد عن ذلك، فعلى سبيل المثال فإن العجز المقدر فى موازنة 2002/2003 كما هو ظاهر فى الجدول المرق بلغ 30.4 مليار جنيه، ولكن العجز الفعلى كما ظهر فى الحساب الختامى عن هذه السنة بلغ 38.1 مليار جنيه. والجدول التالى يوضح ذلك فى حالة مقارنة بين السنوات منذ عام 98/1999 وحتى الآن.
بيان مقارن للموازنة العامة للدولة فى عدد من السنوات (المبالغ بالمليار جنيه)
السنوات
البيان
98/99 99/2000 2000/2001 السنة الحالية
2001/2002
الموازنة الجديدة
2002/2003
إجمالى الموازنة:
الإيرادات 83.1 91.1 98.0 106.0 111.4
المصروفات 91.6 99.9 111.9 126.8 141.8
العجز الكلى 8.5 8.8 13.9 20.8 30.4
الموازنة الجارية:
إيرادات جارية 75.5 79.6 86.3 94.3 97.6
(-) نفقات جارية 70.7 77.6 85.7 98.0 107.7
فائض (عجز جارى) 4.8 2.0 0.6 (3.7) عجز (10.1) عجز
الموازنة الاستثمارية:
إيرادات استثمارية 3.7 3.9 3.9 4.0 6.3
(-) نفقات استثمارية 11.0 11.9 13.9 15.2 19.3
فائض (عجز استثمارى) (7.3) عجز (8.0) عجز (10.0) عجز (11.2) عجز (13.0) عجز
موازنة التحويلات الرأسمالية
موارد ذاتية متاحة 3.9 7.6 7.8 7.7 7.5
(-) سداد أقساط الديون 9.9 10.4 12.3 13.6 14.8
فائض (عجز التحويلات) (6.0) عجز (2.8) عجز (4.5) عجز (5.9) عجز (7.3) عجز
العجز الكلى:
جارى 4.8 فائض 2.0 فائض 0.6 فائض (3.7) عجز (10.1) عجز
استثمارى (7.3) عجز (8.0) عجز (10.0) عجز (11.2) عجز (13.0) عجز
تحويلات (6.0) عجز (2.8) عجز (4.5) عجز (5.9) عجز (7.3) عجز
جملة العجز الكلى 8.5 8.8 13.9 20.8 30.4
(-) التمويل من المدخرات
والقروض
8.2 8.1 10.1 11.2 13.2
العجز الصافى 0.3 0.7 3.8 9.6 17.2
هذا إلى جانب ما يظهر من عجز لدى الهيئات العامة الاقتصادية وتقوم بالاقتراض لتمويله مما يؤدى إلى زيادة الدين العام، فإن أغلب الهيئات العامة الاقتصادية البالغة 62 هيئة تحقق عجزاً مستمراً، ويظهر وجه العجب فى ذلك أن المفروض أن هذه الهيئات يجب أن تحقق فائضاً بمعنى أن تغطى إيراداتها نفقاتها وتزيد ولكن الواقع يظهر أنها تحقق عجزاً جارياً بلغ حوالى 8 مليار جنيه هذا العام.
وتظهر خصوصية العلاقة بين الدين وعجز الموازنة فى أنه بجانب أن العجز هو سبب الاستدانة، فى أن الأمر وصل فى مصر إلى حد أنه أصبحت أعباء خدمة الدين من قيمة العجز بما يعنى أنه يتم الاستدانة لسداد ديون سابقة مما يتضح أن الأمر سيستمر هكذا فى المستقبل وتزيد الديون.
ثالثاً: مؤشرات أعباء خدمة الدين:
لقد تزايدت أعباء خدمة الدين التى وصلت فى السنة الواحدة (حالياً) إلى حوالى 65 مليار جنيه منها فوائد 41.2 مليار جنيه (بخلاف الهيئات العامة الاقتصادية) ويظهر خطورة ذلك من المؤشرات التالية: (فى موازنة 2002/2003):
56
نسبة أعباء خدمة الدين إلى إجمالى النفقات العامة = × 100 = 39.5 %
141.8
41.2
نسبة الفوائد إلى إجمالى النفقات العامة = × 100 = 29 %
141.8
41.2
نسبة الفوائد إلى النفقات الجارية = × 100 = 38.3 %
107.7
56
نسبة خدمة الدين إلى الإيرادات العامة = × 100 = 50.3 %
111.4
56
نسبة خدمة الدين إلى الإيرادات الجارية = × 100 = 57.4 %
97.6
ومن ذلك يظهر أنه يتم تخصيص حوالى 40% من النفقات لخدمة الدين العام وبما يمثل 29% من النفقات الجارية للفوائد وحدها، هذا إلى جانب أنه يتم توجيه حوالى 50% من إجمالى الإيرادات إلى خدمة الدين، بدلاً من إنفاق هذه الإيرادات لتقديم الخدمات للمواطنين.
رابعاً: نصيب المواطن من الدين العام:
لقد بلغ عدد السكان عام 2002/2003م 69.2 مليون مواطن هم الذين يتحملون الدين العام وأعباءه، والمفروض أن يتناسب نصيب الفرد من الدين العام مع إمكانياته متمثلة فى متوسط نصيبه من الدخل القومى، وهذه المناسبة تكون فى حدود الأمان إذا وصل نصيب الفرد من الدين العام 50% من متوسط دخله فى السنة.
فإذا كان متوسط الدخل للفرد فى السنة هو 5491 جنيه(*)
وأن متوسط نصيب الفرد من الدين العام هو: حوالى 7000 جنيه(**)
إذا تكون نسبة نصيب الفرد من الدين العام إلى متوسط الدخل للفرد
7000
= ×100 = 127.5%
5491
وهو يزيد بكثير عن حد الأمان المقدر بـ 50%.
خامساً: مؤشرات الاقتدار المالى العام:
ويستدل بها على مدى قدرة المال العام لمواجهة مشكلة ومخاطر تزايد الديون، ومنه يمكن التعرف على مدى قدرة المالية العامة على مواجهة مشكلة الديون فى المستقبل أم لا ؟ بمعنى تحمل أعباء الموجود منها وتقليل الاعتماد على الديون فى المستقبل
ويتم التعرف على ذلك بعدة مؤشرات من أهمها ما يلى:
أ – مدى تناسب معدل النمو فى كل من الإيرادات العامة والنفقات العامة، حيث يكون الوضع سليماً إذا تساوى المعدل فى كل منهما أو زاد معدل نمو الإيرادات عن معدل نمو النفقات، وبالنظر فى الحالة المصرية نجد أن معدل نمو النفقات يزيد بكثير عن معدل نمو الإيرادات ويتزايد هذا الفرق من سنة لأخرى مما يعنى مزيداً من عجز الموازنة ومزيداً من الدين العام، فبينما كان معدل نمو الإيرادات العامة فى السنوات القليلة السابقة من عام 99/2000 وحتى الآن هو 9.6%، 8.6%، 8%، 5% أخذاً فى التنازل نجد أن معدل نمو النفقات أكبر وأخذاً فى التزايد حيث بلغ فى نفس السنوات 9%، 12%، 13%، 20%.
مدى تناسب سعر الفائدة على الدين العام مع معدل نمو الدين العام، حيث يدل زيادة سعر الفائدة أو تساويها لمعدل نمو الدين العام على الرشد فى إدارة الدين العام وإمكان كبح جماحه، أما لو قل سعر الفائدة عن معدل النمو فى الدين العام، فإن الأمر ينذر بالخطر، ولقد كان الوضع فى مصر منذ بداية الإصلاح الاقتصادى وحتى السنوات الأخيرة يزيد فيه معدل الفائدة على معدل نمو الدين العام ثم انعكس الوضع الآن، فلقد كان متوسط سعر الفائدة حوالى 12% وكان معدل نمو الدين العام 8.4% أما الآن فإن معدل نمو الدين العام وصل إلى 13.5% وهو يزيد عن سعر الفائدة على أذون الخزانة البالغ 9%.
وهكذا تدلنا مؤشرات الدين العام على أنه تعدى مرحلة الأمان بكثير وانتقل من مرحلة الظاهرة وحتى من مرحلة المشكلة التى تحتاج إلى مجهود بسيط لحلها إلى مرحلة الأزمة المستحكمة التى يصعب علاجها فى الأمد القصير، وهذا يؤدى إلى آثار سيئة على مجمل الاقتصاد القومى مما يدل على سوء إدارة الدين العام ويحتاج الأمر إلى تدخل فورى واستراتيجى وفق خطة موضوعية لمحاولة علاج هذه الأزمة، وهذا ما سنحاول بيانه فى المبحث الثالث والأخير.
المبحث الثالث
الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الدين العام
وكيفية الخروج منها
أولاً: الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الدين العام: ويمكن إيجازها فيما يلي:
أـ الأثر على الطلب الكلي: يوجد قدر من الاتفاق بين الاقتصاديين حول أن الدين العام له آثار طيبة على الطلب الكلي في الأجل القصير حيث يمكِّن الحكومة من زيادة الإنفاق العام بما تستدينه، ولكن في الأجل الطويل يحجَّم هذا الطلب عندما تقترض الحكومة لسداد ديونها السابقة والذي لا يمثل طلباً كما هو حادث فى مصر الآن.
ب ـ الأثر على الادخار والاستثمار : من المعروف أنه توجد فجوة بين الادخار والاستثمار في مصر تبلغ حوالى 14% من الناتج المحلي نظراً لأن نسبة الادخار في مصر متدنية تصل إلى حوالي 10% من الناتج المحلي، بينما أدنى نسبة مطلوبة للاستثمار تصل إلى حوالى 24% من الناتج، وبما أن القطاع الخاص يتحمل الجزء الأكبر من الإسهام في الخطة الاستثمارية تصل إلى حوالي 80% ويمولها هذا القطاع من موارده الذاتية وجزءاً كبيراً من المدخرات في المجتمع وتزايد الدين العام يعني مزاحمة الحكومة التي لا تساهم سوي بـ 20% من الخطة الاستثمارية للقطاع الخاص في أسواق رأس المال بما يحرم القطاع الخاص من الموارد وبالتالي يؤثر على تنفيذ الخطة الاستثمارية والناتج المحلي تبعاً لذلك.
جـ- الأثر على المالية العامة: ويظهر ذلك من جانبين: الجانب الأول: أن الدين العام يستخدم لتمويل عجز الموازنة، والجانب الثانى: فإن أعباء خدمة الدين العام تمثل نفقات إضافية فى الموازنة العامة للدولة، ونظراً لسوء إدارة المالية العامة فإن الإنفاق العام بتزايد من سنة لأخرى وبمعدل نموّ أكبر من معدل نمو الإيرادات العامة وبالتالى فإن عجز الموازنة يتزايد ويستمر الأمر الذى يترتب عليه مباشرة تزايد الدين العام واستمراره في حلقة خبيثة مفرغة مما يؤثر على الأداء المالي العام بشكل سيء، ومن الجانب الثاني فإن تخصيص مبالغ كبيرة تصل إلى أكثر من ربع النفقات، وحوالى نصف الإيرادات لخدمة الدين يعني حرمان المواطنين من الاستفادة من هذه المبالغ المخصصة لخدمة أعباء الدين.
د ـ الأثر على ميزان المدفوعات: إذا كان الدين الخارجي يمثل تدفقات نقدية داخله في ميزان المدفوعات مما يساهم في تخفيض العجز الكلى في هذا الميزان فإن خدمة هذا الدين من فوائد وأقساط تمثل تدفقات خارجة تزيد في العجز في الميزان، وهذا ما يحدث في مصر نظراً لتزايد أعباء خدمة الدين الخارجي وخفض الاستثمارات والقروض الأجنبية الواردة لمصر، وهذا فضلاً على أن الاقتصاد المصري يتحمل بالفوائد لصالح المستثمرين من الخارج.
هـ- الأثر على العدالة بين الأجيال من المواطنين: عادة ما يتم الاقتراض فى وقت ويتم السداد في زمن آخر تال له، وإذا كان الجيل الذى حدث في ظله الاقتراض يستفيد بالأموال المقترضة فإن الجيل التالي له هو الذي يتحمل أعباء خدمة هذه القروض بالاقتطاع من الأموال المتاحة للإنفاق على الخدمات اللازمة له، ويمكن القول أن الجيل التالي قد أنتفع بالقروض لو استخدمت في الإنفاق على المشروعات الاستثمارية التي يطول أمد الانتفاع بها إلى سنوات تزيد عن سنوات سداد القرض، ولكن الحالة في مصر تختلف حيث أن الحكومة تستدين لتمويل العجز الجاري أي للإنفاق على خدمات يستفيد بها الجيل الحالي فقط، هذا فضلاً على أن الحكومة تقترض ولا تستخدم ما تقترضه في تمويل استثماراتها مثلما هو حادث بالنسبة للسندات الدولارية، بل على العكس تخسر فرق سعر الفائدة كما سبق ذكره وكل ذلك يدل على أن الدين العام بحالته المصرية يؤدي إلى عدم العدالة بين الأجيال من المواطنين بما يظلم الأجيال اللاحقة.
ثانياً: إدارة الدين العام في مصر: ونتناوله على الوجه التالى:
أـ مظاهر سوء إدارة الدين العام في مصر: وتتمثل في الآتي:
1ـ تزايد الدين العام من سنة إلى لأخرى حسبما تم ذكره.
2ـ استمرار وتزايد عجز الموارنة العامة مما يعني استمرار أزمة الدين العام.
3ـ ظهور عجز في الموازنة الجارية ينذر بالخطر.
4ـ تزايد أعباء خدمة الدين.
5ـ عدم استخدام بعض القروض مع تحمل الاقتصاد المصري بالفوائد.
6ـ الإقراض بسعر فائدة مرتفع وإعادة إقراض نفس المبالغ بسعر فائدة منخفض كما هو حادث فى السندات الدولارية.
7ـ استمرار الحكومة في الاقتراض لسداد القروض السابقة وأعبائها دون أن يكون لديها تصور واضح عن كيفية الخروج من هذه الحلقة الخبيثة.
ب- الحلول التي تحاول بها الحكومة الخروج من هذه الأزمة: نظراً لاعتراف الحكومة بان مشكلة الدين العام وصلت إلى مرحلة الأزمة الخطيرة، بدأت في اتخاذ عدة خطوات لعلاجها منها ما يلي:
1ـ إعادة تصوير الموازنة العامة تحت مسمي «العمليات المالية الموحدة للحكومة» ضمت بموجبها إلى قائمة الموازنة العمليات المالية الخاصة بكل من بنك الاستثمار القومي وهيئة السلع التموينية وصناديق التأمين الإجتماعى وذلك باعتبار أن بنك الاستثمار القومي وما يحصل عليه من أموال صناديق التأمين الاجتماعي هو الدائن الأكبر للحكومة، وأن هيئة السلع التموينية تستحوذ على الدعم الحكومى لشراء السلع المدعمة، وهذا الإجراء الإدارى فضلاً على مخالفته للمادة الأولي من قانون الموازنة رقم (53) لسنة 1973 التي حددت نطاق الموازنة العامة للدولة بما لا يدخل هذه الجهات من الموازنة لأنها هيئات اقتصادية لا تشملها الموازنة، فإنه إجراء شكل حسابي اتخذ لإظهار خدمة الديون بأقل من حقيقتها.
2ـ نقل تبعية بنك الاستثمار القومي إلى وزارة المالية بدلاً من وزارة التخطيط بالمخالفة لقانون بنك الاستثمار القومي، وهذا أيضاً إجراء شكلي لا يسدد الديون وإنما الغرض منه تخفيض الديون شكلياً بتبعية الدائن (بنك الاستثمار القومي) للمدين وهو وزارة المالية.
3ـ إتباع نظام الموازنة بدلاً من نظام الرصيد التراكمي في إدارة التأمينات الاجتماعية، حيث يقوم نظام الرصيد التراكمي على استغلال هيئة التأمينات الاجتماعية وتحصيلها حصص الاشتراك في التأمين من العاملين وأصحاب الأعمال واستثمارها ثم دفع المعاشات من حصيلة الاشتراكات وعائد الاستثمار، ونظراً لأن المحصل يكون عادة أكبر من التأمينات والمعاشات المدفوعة، فإن الفائض يتراكم من سنة لأخرى حتى وصل الآن إلى حوالي 180 مليار جنيه يتم إقراض الجزء الأكبر منه للحكومة والهيئات العامة الاقتصادية بواسطة بنك الاستثمار ويدخل في إطار الدين العام، ولقد فكرت الحكومة في سبيل إدارتها للدين العام في التخلص من ديون هيئة التأمينات فطرحت فكرة نظام الموازنة السنوية الذي يقضي أولاً بإزالة ديون التأمينات من الدين العام على أن تظهر الاشتراكات المحصلة في جانب الموارد بالموازنة العامة للدولة مقابل أن تتعهد الحكومة بسداد المعاشات السنوية ويظهر ذلك ضمن النفقات العامة في الموازنة، وبذلك تحرم التأمينات من فوائدها على الرصيد التراكمي الذي كان يمثل دخلاً لمساندة الاشتراكات في دفع المعاشات، ونظراً لأن نظام الموازنة فشل في الدول التي طبقته وأنه لاقي معارضة كبيرة من الرأي العام فلقد توقفت الحكومة عن الحديث عنه رغم تشكيلها لجاناً على مستوي كبير لدراسته.
4ـ أخيراً بدأت الحكومة في سبيل التخلص من ديون التأمينات بطرح مشروع لبيع بعض شركات القطاع العام إلى هيئة التأمينات مقابل ديونها وما زال هذا الحل تحت الدراسة ولكن توجد ملاحظات عليه من أهمها ما يلي:
ـ إذا كانت أموال التأمينات في المنظور العام تحت يد الحكومة وشركات القطاع العام شركات حكومية فإن الأمر لا يمثل أكثر من نقل ملكية شيء إلى نفس المشرف عليه.
ـ ٍإذا كانت الحكومة فى برنامج الخصخصة قد باعت حوالي 50% من شركات القطاع العام بحوالي 16 مليار جنيه، وأن الشركات الباقية أغلبها شركات خاسرة وتعاني من خلل في هياكلها التمويلية وأن ديون هيئة التأمينات على الحكومة تبلغ حوالي 130 مليار جنيه، فهل تكفي الشركات الخمس المقترح بيعها لسداد هذا الدين؟
ـ إن استثمارات أموال التأمينات بعائد ثابت حوالي 9% تمثل دخلاً مضموناً لها وأخذ هذه الشركات مكانها وهي شركات خاسرة ، وحتى إن كانت تحقق ربحاً فإن الربح متقلب ونسبته أقل من نسبة الفائدة التي تحصل عليها التأمينات حالياً مما يعرضها للمخاطر.
إذاً ما هو الحل ؟ ! !
إن الحل لمواجهة أزمة الدين العام يجب أن يتركز أولاً: حول علاج أسبابه وهي كل من:
العجز في الموازنة العامة للدولة: وذلك ليس بتقليل النفقات وإنما بترشيدها والتوقف فوراً عن الإنفاق الترفى المتمثل بالدرجة الأولي في الإنفاق على السيارات الفاخرة وتغيير الأثاث والمفروشات في الوزارات والإعلانات الحكومية خاصة التي تدخل في نطاق النفاق الاجتماعي وإدارة المخزون الحكومي إدارة رشيدة، وتقليل إقامة الاحتفالات والإنفاق على السفريات والمؤتمرات، والأمر يطول جداً في هذا الصدد، ثم تنشيط تحصيل الإيرادات الحكومية خاصة من الضرائب المستحقة على أصحاب الدخول العالية والأثرياء.
العجز في الهيئات العامة الاقتصادية التي خرجت عن طبيعتها في أنها يجب أن تمول أنشطتها من مواردها وتحقق فائضاً وهذا ما لم يحدث رغم أنها تمارس أنشطة يمارسها القطاع الخاص ويحقق عائداً مرتفعاً، فعلي سبيل المثال كيف يحقق اتحاد الإذاعة والتليفزيون عجزاً وهناك المئات من محطات الإذاعة والتليفزيون الخاصة التي تحقق أرباحاً ؟! ثم كيف تحقق هيئة السكك الحديدية عجزاً بلغ حوالي 1.9 مليار جنيه . وكذا هيئة النقل العام بالقاهرة رغم وجود شركات نقل قطاع خاص تعمل في نفس المجال تحقق فائضاً ؟ ! !.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الهيئات العامة الاقتصادية تبيع خدماتها للمواطنين بأسعار كبيرة تعادل أسعار السوق.
هذا كله إلى جانب ترشيد إدارة الدين العام في جوانبه الأخرى التي سيقدم عنها بحثاً مستقلاً في هذه الندوة، ولذا نكتفي بهذا القدر .
ولا يفوتنا قبل ختام البحث أن نشير فى إيجاز إلى موقف الإسلام من الدين العام وذلك فى الفقرة التالية:
الفقرة الختامية: موقف الإسلام من الدين العام: ونوجزه فى التالى:
أولاً: مدى مشروعية الدين العام:
يمكن القول إن اقتراض الحكومة لتمويل النفقات العامة عندما تعجز مواردها الذاتية عن ذلك أمر جائز شرعاً، ويستند ذلك إلى فعل الرسول r فى إدارته للدولة، كما يظهر من الأدلة التالية:
أ – ذكر الخطابى فى شرح حديث «إن خيار الناس أحسنهم قضاًٍ» أن الرسول r إنما استسلف لأهل الصدقة من أرباب الأموال([8]).
ب- روى البيهقى والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبى r أمره أن يجهز جيشاً فنفذت الإبل فأمره أن يأخذ – يقترض – على قلائص الصدقة»([9]).
جـ- روى ابن ماجه والنسائى وأحمد عن عبد الله بن أبى ربيعة أن النبى r استسلف منه حين غزا حنيناً ثلاثين أو أربعين ألفًا فلما قدم قضاه إياها»([10]).
د – بل إن الرسول r اتبع أسلوباً غير مسبوق ولا ملحوق فى تمويل العجز وهو تعجل بعض الإيرادات العامة أى تحصيلها قبل موعدها كما حدث حينما ذهب عامل الزكاة إلى العباس لتحصيل الزكاة منه فأخبره أنه سبق أن دفعها لرسول الله r فعاد العامل للرسول r فقال له: «إنا كنا قد احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين»([11]).
ثانياً: الضوابط الإسلامية للدين العام:
إذا كان الدين العام جائزاً شرعاً بأصله فإنه توجد ضوابط يجب على الحكومة مراعاتها عند التوجه للاقتراض من الغير ويمكن تلخيص هذه الضوابط فى الآتى:
أ – أن لا يكون الاقتراض بفائدة لأن فوائد القروض من الربا المحرم شرعاً بالإجماع.
ب- أن تكون هناك حاجة ضرورية للاقتراض، وهذه الضرورة تفهم مما فعله الرسول r حيث كان يقترض وقت الأزمات وهى المتعلقة بالحروب والغزوات، وكما يقول أحد العلماء «إنما يجوز لولى الأمر الاقتراض فى الأزمات».
جـ- أن يكون الاقتراض لتمويل النفقات الضرورية التى لابد من دفعها وهو ما يسمى الآن فى الفكر المالى «بالحتميات» ولا يقترض لتمويل مشروعات الارتفاق وهى ما يعبر عنها الآن «بالمقترحات الجديدة» وهذا ما يصوره الإمام الماوردى بقوله: «فلو اجتمع على بيت المال حقان ضاق عنهما واتسع لأحدهما صرف فيما يصير منهما ديناً (الحتميات) دون الإرتفاق (المقترحات الجديدة) فلو ضاق عن كل واحد منهما جاز لولى الأمر إذا خاف الفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه فى الديون دون الارتفاق»([12]).
د – فى البداية من واجب الدولة العمل على محاولة التوازن بين النفقات والإيرادات العامة حتى لا يحدث عجز يتزايد ويتراكم ويؤدى إلى مخاطر عديدة، وهذا ما يصوره أحد العلماء فى صورة ملموسة بقوله: «واعلم أن حاصل المملكة (الإيرادات العامة) إن كان بإزاء مؤنها (موازى للنفقات) كانت كالسفينة وسط البحر الذى قد أحكم أمرها على هدوئه ولم يؤمن عليها من الغرق فى وقت اهتياجه، وإن كان حاصلها دون ما يلزم لها (حالة وجود عجز) حملت قومها على فتح باب المماطلة (أى الاستدانة وسداد الديون بديون متجددة إلى أن تصل إلى التوقف عن سداد الديون) وعدت بهم عن تدبير أمرها فى المطالبة بالعاجل منها، وأخطرت بدمائهم وأموالهم وكان ما يجرى من سعيهم مفسداً لأمرهم فى مستقبل الزمان، وهذا أقبح ما يستعرض ، وأما إن كان حاصلها أكثر مما يلزم فأوضح صلاحاً من أن يحتاج إلى تمثيل أو تعديد»([13]).
د – يجب على الدولة عدم الاقتراض ما لم تكن لديها القدرة على السداد كمنا جاء : لا يجوز لولى الأمر الاقتراض ما لم يكن هناك دخل يرتجى لبيت المال يتم سداد القرض منه».
وفى النهاية نختم بحثنا بالدعوة إلى الله عزوجل أن يجنب مصرنا العزيزة الأزمات وأن يعمُّها بالرخاء ورغد العيش إنه سميع الدعاء
[1]) من ذلك دراسة معهد التخطيط القومى حول ” «إدارة الدين العام المحلى» منشورة فى سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم 158 بتاريخ يوليو 2002م ودراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء فى أكتوبر 2003م.
[2]) البيانات فى هذا البحث مستقاه من: النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى المصرى العدد 79 أكتوبر 2003، وورقة العمل المقدمة للمؤتمر التاسع للحزب الوطنى الديموقراطى عام 2003م، وأعداد مختلفة من مجلة البنك الأهلى المصرى إلى جانب المراجع أعلاه فى البند السابق.
[3]) يطلق عليها أيضاً «القروض العامة» وذلك لدى كتَّاب المالية العامة.
[4]) من الجدير بالذكر أن الحكومة أعلنت هذا الأسبوع فى الجرائد عن الاكتتاب فى دفعة جديدة من هذه السندات بمبلغ 4 مليار جنيه.
[5]) إذا كانت الودائع الحكومية أكبر مما سحبته فإن الرصيد يكون بالموجب وتخفض به مديونياتها.
[6]) النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى المصرى ، العدد (79) أكتوبر 2003م
[7]) من الجدير بالذكر أن الفوائد على الدين الحكومى حسبما يظهر فى قطاع الموازنة هو 26.5 مليار جنيه، وأنه بإضافة بيانات بنك الاستثمار القومى وهيئة السلع التموينية (وهما هيئة اقتصادية عامة) يرتفع ليصل إلى 41.2 مليار، ثم بإضافة بيانات صناديق التأمينات الاجتماعية (وهى هيئة اقتصادية عامة) تنزل الفوائد إلى حوالى 24.1 مليار جنيه، وهذا م ا يظهر فى الأسلوب الجديد الذى اتبعته وزارة المالية فى إعداد بيانات الموازنة تحت مسمى «العمليات المالية الموحدة للحكومة العامة» وبسبب تغير رقم الفوائد هو توحيد بيانات الجهة المدينة والجهة الدائنة، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذا الرقم لا يشمل أعباء خدمة الدين العام فى باقى الهيئات العامة الاقتصادية
*) حسب هذا المتوسط بقسمة الدخل القومى(380 مليار جنيه) على عدد المواطنين 69.2 مليون مواطن.
**) حسب هذا المتوسط بقسمة الدين العام 485 مليار جنيه على عدد المواطنين 96.2 مليون مواطن.
[8]) معالم السنن للخطابى – دار المعرفة بيروت 5/19.
[9]) السنن الكبرى للبيهقى – مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1352هـ – 5/287 – والقلائص جمع قلوص وهى الناقة الشابة.
[10]) سنن ابن ماجه – تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى – 2/59.
[11]) الأموال لأبى عبيد بن سلام – تحقيق محمد خليل هراس – ص 522.
[12]) الأحكام السلطانية للماوردى – مطبعة الحلبى بمصر – الطبعة الثالثة 1973م، صـ215.
[13]) أبو جعفر الدمشقى: «الإشارة إلى محاسن التجارة» مكتبة الكليات الأزهرية 1977م، صـ15.
0 التعليقات:
إرسال تعليق