المطلب الأول
ماهية قانون العقوبات
أولاً: تعريفه وتسمياته:
يعرف قانون العقوبات بأنه مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لها. فبيان الجرائم والعقوبات يخضع لمبدأ الشرعية يعني أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون.
الباب الأول
تعريف الجريمة وهيكلها وأنواعها
الفصل الأول
تعريف الجريمة
يتنازع تعريف الجريمة مفهومان ، أحدهما ذو طابع اجتماعي والآخر قانوني.
المبحث الأول
المفهوم الاجتماعي للجريمة
يحمي قانون العقوبات المصالح الأساسية للمجتمع بتجريم الأفعال الضارة بها أو المهددة إياها بالخطر. فكل فعل ضار أو مهدد لهذه المصالح يجدر بالمشرع أن يجرمه ويقرر له عقوبة. وهذا المفهوم الاجتماعي للجريمة هو الذي يهم علماء الاجتماع القانوني كما أنه محل اهتمام علماء الإجراء عند تصديهم لمفهوم الجريمة التي يهتم هذا العلم بتحليلها وبيان أسبابها.
المبحث الثاني
التعريف القانوني للجريمة
المطلب الأول
الخلاف الفقهي حول تعريف الجريمة
رغم اتفاق الفقه علي أن تعريف الجريمة كواقعة قانونية يستمد مضمونه من النصوص ، فإنه لم يتفق علي مضمون هذا التعريف في محاولة لجعله جامعاً مانعاً. فثمة اتجاه شكلي يعرف الجريمة ، كواقعة قانونية ، من خلال الأثر القانوني المترتب عليها وهي العقوبة. فتكون الجريمة بالتالي " كل فعل يقرر له القانون عقوبة ". ويؤخذ علي هذا التعريف إهماله لمضمون الفعل المشكل للجريمة كما أنه يقصر عن بيان ركن الإنتاب في الجريمة باعتبارها ليست مجرد كيان مادي ، بل يجب لتكتمل أركانها أن يقترن السلوك فيها بإرادة مذنبة تربطه بمرتكبها وفي ضوء هذا التصحيح تعرف الجريمة بأنها " فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبير احترازياً. كما ركز بعض الفقه علي المصلحة المحمية جنائياً باعتبارها هدف تجريم الفعل الذي يمثل اعتداء عليها ، وعرف الجريمة بالتالي بأنها " الواقعة التي ترتكب إضراراً بمصلحة حماها المشرع في قانون العقوبات ورتب عليها أثراً جنائياً متمثلاً في العقوبة ".
المطلب الثاني
تمييز الجريمة عن الأعمال الأخري غير المشروعة
أولاً: التمييز بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية:
ترتكز أوجه الاختلاف بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية علي أهمية المصلحة المراد حمايتها من كل من الجريمتين ، فالسلوك لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا شكل اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة لها بطبيعة الحال أهمية تجاوز المصالح الخاصة التي تمثل الجريمة المدنية اعتداء عليها ، ومن هذا الاختلاف الجوهري بين الجريمتين تنساب أوجه التمييز بينهما علي النحو التالي:
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
فالفعل لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا خضع لنص تجريم خاص به ، أما الجريمة المدنية فيكتسب وصفها طبقاً للمادة 163 مدني ، كل خطأ سبب ضرراً للغير.
2- من حيث الجزاء:-
الجزاء هو النتيجة القانونية التي تترتب علي الجريمتين الجنائية والمدنية ولكن هذا الجزاء يختلف في طبيعته وأغراضه بحسب نوع الجريمة. فجزاء الجريمة الجنائية هو العقوبة أو التدبير الاحترازي ، ويستهدف عدة أغراض هي الردع العام والردع الخاص والتأهيل. فبينما الجزاء في الجريمة المدنية هو التعويض العيني أو النقدي ويستهدف إعادة التوازن بين الذمم المالية بعدما أصابه الخلل بسبب الجريمة المدنية.
3- من حيث الأركان:
رغم اشتراك الجريمتين في ضرورة توافر سلوك مادي سواء في صورة فعل إيجابي أو امتناع ، إلا أن الضرر يشكل ركناً لا غني غنه في الجريمة المدنية وعلي أساسه يقدر التعويض المالي ، بينما لا يشكل الضرر ركناً في الجريمة الجنائية كما هو الحال في الجرائم التي تقف عند حد الشروع ، أي دون أن تتحقق نتيجتها الإجرامية.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
تنشأ عن الجريمة الجنائية " دعوي جنائية " يملكها المجتمع وتمارسها نيابة عنه النيابة العامة للمطالبة بحقه في توقيع العقوبة أو التدبير الاحترازي وتختص بنظرها المحاكم الجنائية. أما الجريمة المدنية فتنشا عنها " دعوي مدنية " تستهدف تقرير تعويض عن الضرر الذي سببه الخطأ. والأصل أن تفصل في هذه الدعوي المحاكم المدنية بناء علي طلب المتضرر طبقاً لإجراءات تكفل حيدة الفصل في النزاع.
وقد يشكل ذات السلوك جريمة جنائية وجريمة مدنية في آن واحد ، ويستوجب بالتالي توقيع عقوبة والحكم بتعويض. وعندئذ يجوز رفع الدعوي المدنية استثناء أمام القضاء الجنائي تبعاً للدعوي الجنائية.
ماهية قانون العقوبات
أولاً: تعريفه وتسمياته:
يعرف قانون العقوبات بأنه مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لها. فبيان الجرائم والعقوبات يخضع لمبدأ الشرعية يعني أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون.
الباب الأول
تعريف الجريمة وهيكلها وأنواعها
الفصل الأول
تعريف الجريمة
يتنازع تعريف الجريمة مفهومان ، أحدهما ذو طابع اجتماعي والآخر قانوني.
المبحث الأول
المفهوم الاجتماعي للجريمة
يحمي قانون العقوبات المصالح الأساسية للمجتمع بتجريم الأفعال الضارة بها أو المهددة إياها بالخطر. فكل فعل ضار أو مهدد لهذه المصالح يجدر بالمشرع أن يجرمه ويقرر له عقوبة. وهذا المفهوم الاجتماعي للجريمة هو الذي يهم علماء الاجتماع القانوني كما أنه محل اهتمام علماء الإجراء عند تصديهم لمفهوم الجريمة التي يهتم هذا العلم بتحليلها وبيان أسبابها.
المبحث الثاني
التعريف القانوني للجريمة
المطلب الأول
الخلاف الفقهي حول تعريف الجريمة
رغم اتفاق الفقه علي أن تعريف الجريمة كواقعة قانونية يستمد مضمونه من النصوص ، فإنه لم يتفق علي مضمون هذا التعريف في محاولة لجعله جامعاً مانعاً. فثمة اتجاه شكلي يعرف الجريمة ، كواقعة قانونية ، من خلال الأثر القانوني المترتب عليها وهي العقوبة. فتكون الجريمة بالتالي " كل فعل يقرر له القانون عقوبة ". ويؤخذ علي هذا التعريف إهماله لمضمون الفعل المشكل للجريمة كما أنه يقصر عن بيان ركن الإنتاب في الجريمة باعتبارها ليست مجرد كيان مادي ، بل يجب لتكتمل أركانها أن يقترن السلوك فيها بإرادة مذنبة تربطه بمرتكبها وفي ضوء هذا التصحيح تعرف الجريمة بأنها " فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبير احترازياً. كما ركز بعض الفقه علي المصلحة المحمية جنائياً باعتبارها هدف تجريم الفعل الذي يمثل اعتداء عليها ، وعرف الجريمة بالتالي بأنها " الواقعة التي ترتكب إضراراً بمصلحة حماها المشرع في قانون العقوبات ورتب عليها أثراً جنائياً متمثلاً في العقوبة ".
المطلب الثاني
تمييز الجريمة عن الأعمال الأخري غير المشروعة
أولاً: التمييز بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية:
ترتكز أوجه الاختلاف بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية علي أهمية المصلحة المراد حمايتها من كل من الجريمتين ، فالسلوك لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا شكل اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة لها بطبيعة الحال أهمية تجاوز المصالح الخاصة التي تمثل الجريمة المدنية اعتداء عليها ، ومن هذا الاختلاف الجوهري بين الجريمتين تنساب أوجه التمييز بينهما علي النحو التالي:
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
فالفعل لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا خضع لنص تجريم خاص به ، أما الجريمة المدنية فيكتسب وصفها طبقاً للمادة 163 مدني ، كل خطأ سبب ضرراً للغير.
2- من حيث الجزاء:-
الجزاء هو النتيجة القانونية التي تترتب علي الجريمتين الجنائية والمدنية ولكن هذا الجزاء يختلف في طبيعته وأغراضه بحسب نوع الجريمة. فجزاء الجريمة الجنائية هو العقوبة أو التدبير الاحترازي ، ويستهدف عدة أغراض هي الردع العام والردع الخاص والتأهيل. فبينما الجزاء في الجريمة المدنية هو التعويض العيني أو النقدي ويستهدف إعادة التوازن بين الذمم المالية بعدما أصابه الخلل بسبب الجريمة المدنية.
3- من حيث الأركان:
رغم اشتراك الجريمتين في ضرورة توافر سلوك مادي سواء في صورة فعل إيجابي أو امتناع ، إلا أن الضرر يشكل ركناً لا غني غنه في الجريمة المدنية وعلي أساسه يقدر التعويض المالي ، بينما لا يشكل الضرر ركناً في الجريمة الجنائية كما هو الحال في الجرائم التي تقف عند حد الشروع ، أي دون أن تتحقق نتيجتها الإجرامية.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
تنشأ عن الجريمة الجنائية " دعوي جنائية " يملكها المجتمع وتمارسها نيابة عنه النيابة العامة للمطالبة بحقه في توقيع العقوبة أو التدبير الاحترازي وتختص بنظرها المحاكم الجنائية. أما الجريمة المدنية فتنشا عنها " دعوي مدنية " تستهدف تقرير تعويض عن الضرر الذي سببه الخطأ. والأصل أن تفصل في هذه الدعوي المحاكم المدنية بناء علي طلب المتضرر طبقاً لإجراءات تكفل حيدة الفصل في النزاع.
وقد يشكل ذات السلوك جريمة جنائية وجريمة مدنية في آن واحد ، ويستوجب بالتالي توقيع عقوبة والحكم بتعويض. وعندئذ يجوز رفع الدعوي المدنية استثناء أمام القضاء الجنائي تبعاً للدعوي الجنائية.
ثانياً: التمييز بين الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية:
تمثل الجريمة الجنائية اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة ولو وقعت علي أحد الأفراد. أما الجريمة التأديبية فترتكب ضد مصلحة تخص هيئة معينة ، إخلالاً بنظامها والواجبات الملقاة علي أعضائها ، مثال ذلك الموظفون العموميون ، أعضاء النقابات والجمعيات.
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
يكتسب الفعل عدم المشروعية الجنائية من نص مستقل خاص به تطبيقاً لمبدأ الشرعية ، بينما يكفي لإضفاء عدم المشروعية التأديبية علي الفعل أن يشكل إخلالاً بأي من الواجبات التي يقتضيها حسن سير الهيئة التي ينتمي إليها المخالف ، وبالتالي فإن الأفعال المشكلة لجرائم تأديبية ليست واردة علي سبيل الحصر ، وتتمتع السلطة الإدارية بسلطة تقديرية في تحديدها.
2- من حيث الجزاء:-
جزاء الجريمة التأديبية أقل قسوة من جزاء الجريمة الجنائية نظراً لتفاوت الجسامة بين الجريمتين. ثم أنهما يختلفان غالباً في الطبيعة ، إذ يطغي علي الجزاء التأديبي الطابع المهني المرتبط بالهيئة التي تم الاعتداء علي نظامها. مثال ذلك جزاء الإنذار ، الوقف عن العمل بالهيئة ، الحرمان من بعض الميزات المرتبطة بالعضوية كالراتب أو أي من المزايا الأخري ، وقد يصل الجزاء إلي الفصل ، عكس الجريمة التأديبية ، تحدد حصراً في القانون مثلها في ذلك مثل العقوبات. كما يخضع كل منهما لمبدأ شخصية الجزاء بحيث لا يوقع أي منهما علي غير مرتكب الجريمة. وأخيراً يشترك كل منهما في بعض الأغراض خاصة الردع العام والردع الخاص.
3- من حيث الأركان:-
يتسم تحديد أركان الجريمة الجنائية بالدقة والتفصيل ، فإذا تخلف ركن أو عنصر انتفت الجريمة أو تحولت إلي جريمة أقل جسامة ، أما أركان الجريمة التأديبية فلا تخضع لذات درجة التحديد والتفصيل ، إذ يكفي أن يصدر عن أحد المخاطبين بنظام الهيئة أو النقابة أو الجمعية عمل أو امتناع يشكل إخلالاً بالواجبات التي يفرضها عليه هذا النظام. ومن هنا فلا مجال للمرض التفصيلي من جانب المشرع التأديبي لجرائم الضرر وجرائم الخطر أو الجريمة التامة.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
مقابل الدعوي الجنائية الناشئة عن الجريمة الجنائية قد تنشأ دعوي تأديبية لتوقيع الجزاء التأديبي. إلا أن نشأة هذه الدعوي الأخيرة ليس لازماً في كل الأحوال فغالباً ما ينيط القانون بالسلطة القائمة علي إدارة الهيئة أو النقابة توقيع الجزاءات التأديبية.
والأصل استقلال الدعوي التأديبية عن الدعوي الجنائية سواء من حيث الجهة المختصة بنظر الدعوي أو الإجراءات المكونة لها أو حجية الحكم الصادر فيها. ومع ذلك يجوز للمحاكم التأديبية وقف الفصل في الدعوي التأديبية إلي حين الفصل نهائياً في الدعوي الجنائية المقامة عن ذات الواقعة أمام المحاكم الجنائية.
تمثل الجريمة الجنائية اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة ولو وقعت علي أحد الأفراد. أما الجريمة التأديبية فترتكب ضد مصلحة تخص هيئة معينة ، إخلالاً بنظامها والواجبات الملقاة علي أعضائها ، مثال ذلك الموظفون العموميون ، أعضاء النقابات والجمعيات.
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
يكتسب الفعل عدم المشروعية الجنائية من نص مستقل خاص به تطبيقاً لمبدأ الشرعية ، بينما يكفي لإضفاء عدم المشروعية التأديبية علي الفعل أن يشكل إخلالاً بأي من الواجبات التي يقتضيها حسن سير الهيئة التي ينتمي إليها المخالف ، وبالتالي فإن الأفعال المشكلة لجرائم تأديبية ليست واردة علي سبيل الحصر ، وتتمتع السلطة الإدارية بسلطة تقديرية في تحديدها.
2- من حيث الجزاء:-
جزاء الجريمة التأديبية أقل قسوة من جزاء الجريمة الجنائية نظراً لتفاوت الجسامة بين الجريمتين. ثم أنهما يختلفان غالباً في الطبيعة ، إذ يطغي علي الجزاء التأديبي الطابع المهني المرتبط بالهيئة التي تم الاعتداء علي نظامها. مثال ذلك جزاء الإنذار ، الوقف عن العمل بالهيئة ، الحرمان من بعض الميزات المرتبطة بالعضوية كالراتب أو أي من المزايا الأخري ، وقد يصل الجزاء إلي الفصل ، عكس الجريمة التأديبية ، تحدد حصراً في القانون مثلها في ذلك مثل العقوبات. كما يخضع كل منهما لمبدأ شخصية الجزاء بحيث لا يوقع أي منهما علي غير مرتكب الجريمة. وأخيراً يشترك كل منهما في بعض الأغراض خاصة الردع العام والردع الخاص.
3- من حيث الأركان:-
يتسم تحديد أركان الجريمة الجنائية بالدقة والتفصيل ، فإذا تخلف ركن أو عنصر انتفت الجريمة أو تحولت إلي جريمة أقل جسامة ، أما أركان الجريمة التأديبية فلا تخضع لذات درجة التحديد والتفصيل ، إذ يكفي أن يصدر عن أحد المخاطبين بنظام الهيئة أو النقابة أو الجمعية عمل أو امتناع يشكل إخلالاً بالواجبات التي يفرضها عليه هذا النظام. ومن هنا فلا مجال للمرض التفصيلي من جانب المشرع التأديبي لجرائم الضرر وجرائم الخطر أو الجريمة التامة.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
مقابل الدعوي الجنائية الناشئة عن الجريمة الجنائية قد تنشأ دعوي تأديبية لتوقيع الجزاء التأديبي. إلا أن نشأة هذه الدعوي الأخيرة ليس لازماً في كل الأحوال فغالباً ما ينيط القانون بالسلطة القائمة علي إدارة الهيئة أو النقابة توقيع الجزاءات التأديبية.
والأصل استقلال الدعوي التأديبية عن الدعوي الجنائية سواء من حيث الجهة المختصة بنظر الدعوي أو الإجراءات المكونة لها أو حجية الحكم الصادر فيها. ومع ذلك يجوز للمحاكم التأديبية وقف الفصل في الدعوي التأديبية إلي حين الفصل نهائياً في الدعوي الجنائية المقامة عن ذات الواقعة أمام المحاكم الجنائية.
الفصل الثاني
الهيكل القانوني للجريمة وأنواعها
المبحث الأول
الهيكل القانوني للجريمة
المطلب الأول
أركان الجريمة وشروطها المفترضة
أولاً: التمييز بين الأركان العامة والأركان الخاصة للجريمة:-
1- الأركان العامة للجريمة:
الأركان العامة للجريمة هي القاسم المشترك بين كل الجرائم التي لا تقوم بدون توافرها. وقد ذهب الفقه التقليدي إلي ارتكاز الجريمة علي ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي ، أما الفقه الحديث فيضيف إلي هذين الركنين الركن الشرعي.
أ) الركن المادي:-
يتكون الركن المادي للجريمة من مظاهرها الخارجية القابلة للإدراك ويتشكل هذا الركن من عناصر ثلاثة. أولهما هو السلوك الصادر عن مرتكب الجريمة. وقد يكون هذا السلوك في صورة فعل إيجابي ، كإطلاق الرصاص أو التلفظ بالقذف أو السب ، قد يتخذ صورة الامتناع عن فعل أمر به المشرع ، كامتناع الأم عن إرضاع وليدها أو امتناع الممرضة عن تقديم الدواء للمريض أو امتناع القاضي عن الحكم في الدعوي المرفوعة إليه أو الامتناع عن دفع الضريبة المستحقة. أما العنصر الثاني في الركن المادي فهو النتيجة الإجرامية وتتمثل في الضرر الذي ينزله السلوك والمصلحة التي أراد المشرع حمايتها جنائياً كحدوث الوفاة اعتداء علي الحياة أو إصابة الجسد اعتداء علي سلامته ، أو المساس بالشرف والاعتبار ، وقد يقف الركن المادي عند حد السلوك ولا تتحقق النتيجة الإجرامية وهو ما يسمي بالشروع ، ويعاقب عليه المشرع في الجنايات والجنح " أما العنصر الثالث للركن المادي فهو علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة. ذلك أن مرتكب السلوك لا يسأل عن النتيجة الإجرامية التي أصابت الحق أو المصلحة المحمية جنائياً ما لم يكن ذلك السلوك هو سبب هذه النتيجة.
ب- الركن المعنوي:
لا يكفي لتوافر المسئولية عن الجريمة واستحقاق عقوبتها أن يصدر عن الشخص فعل أو امتناع يجرمه القانون أو يعاقب عليه ، إذ ذلك مجرد " إسناد مادي للجريمة لا يكفي لقيام المسئولية الجنائية ، إنما يجب أن يتوافر بجانبه الركن المعنوي أو ما يسمي " بالإسناد المعنوي " ، ويعني ضرورة توافر علاقة نفسية بين مرتكب السلوك والسلوك وما أدي إليه من نتيجة إجرامية. فالعقوبة لا تستحق لمجرد توافر الإسناد المادي وإنما يجب أن يثبت الخطأ في جانب مرتكب السلوك. وهذا الخطأ بالمعني الواسع للكلمة يرتكز علي عنصرين: أولهما هو الأهلية الجنائية أي أن يكون مرتكب السلوك أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية. أما العنصر الثاني في الركن المعنوي فيكون إذناب الإرادة ، وتتخذ إحدي صورتين: أولاهما هي " القصد الجنائي " ويتوافر باتجاه الإرادة إلي السلوك وإلي نتيجة الإجرامية ، كمن يطلق النار قاصداً إزهاق الروح. في هذه الصورة توصف الجريمة. من حيث ركنها المعوي – بأنها " عمدية ". أما الصورة الثانية لإذناب الإرادة " فتسمي بالخطأ غير العمدي ، وتفترض اتجاه الإرادة إلي ارتكاب السلوك دون النتيجة الإجرامية ومع ذلك يسأل المتهم لأن سلوكه مشوب بالخطأ.
جـ- الركن الشرعي:
أما الفقه الحديث فالراجح فيه إضافة ركن ثالث كي تتوافر الجريمة هو الركن الشرعي. ويذهب اتجاه قوي إلي أن جوهر هذا الركن هو " الصفة غير المشروعة " للفعل والتي تستمد من انطباق نص التجريم ، أو ما يعرف " بالنموذج القانوني للجريمة " علي الركنين المادي والمعنوي. ذلك أن ارتكاب سلوك ضار بمصلحة اجتماعية عامة لا ينشئ بذاته جريمة إذا لم يخضع هذا السلوك لنص يجرمه من قبل المشرع. فهذه الصفة غير المشروعة للفعل تشكل إذن ركناً لا غني عنه كي يكتسب الفعل وصف الجريمة.
لا جريمة دون نص يضفي علي ركنيها المادي والمعنوي صفة عدم المشروعية الجنائية.
فإن لكل جريمة ذاتيتها من حيث مضمون أركانها. فالركن المادي في القتل يقوم علي سلوك سبب وفاة المجني عليه وقد تتجه إرادة الفاعل إلي تحقيق هذه النتيجة الإجرامية ليكون القتل عمداً ، وقد لا يريدها بسلوكه الخاطئ فيكون القتل غير عمدي. والركن المادي في السرقة يقوم علي الاختلاس ، بينما يتوافر في النصب بالاستيلاء لي المال باستخدام وسائل احتيالية. وهكذا يلاحظ أن الأركان الخاصة بكل جريمة ليست سوي تطبيقاً للأركان العامة للجريمة.
ثانياً: الشرط المفترض:
يتميز الشرط المفترض لارتكاب الجريمة بأنه لا يدخل في تكوين ركنها المادي ولا ركنها المعنوي ، وإنما هو عنصر محل حماية جنائية سابق في وجوده أو معاصر لارتكاب الجريمة ولا تقوم بدونه. مثال ذلك افتراض حياة الإنسان المجني عليه في جريمة القتل عند ارتكابها ، وكذلك ملكية المال المسروق لغير سارقة.
المطلب الثاني
ظروف الجريمة
قد يحيط ارتكاب الجريمة ظروف تؤثر في درجة جسامتها سواء بزيادتها أو بنقصانها. وبعض من هذه الظروف يتصل بأحد ركني الجريمة فيلحق به دون أن يندمج فيه. والبعض الآخر لا علاقة له بأركان الجريمة ويقف أثره عند تشديد العقوبة أو تخفيفها.
والأصل أن المشرع هو الذي يتولي تحديد هذه الظروف المشددة أو المخففة أو المعفية من العقوبة ولكنه لا يستطيع الإحاطة بكافة الظروف الواقعية التي تخفف من جسامة الجريمة وبالتالي من عقوبتها. لذلك يترك أمر استخلاص هذه الظروف للقاضي في كل حالة علي حده.
الهيكل القانوني للجريمة وأنواعها
المبحث الأول
الهيكل القانوني للجريمة
المطلب الأول
أركان الجريمة وشروطها المفترضة
أولاً: التمييز بين الأركان العامة والأركان الخاصة للجريمة:-
1- الأركان العامة للجريمة:
الأركان العامة للجريمة هي القاسم المشترك بين كل الجرائم التي لا تقوم بدون توافرها. وقد ذهب الفقه التقليدي إلي ارتكاز الجريمة علي ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي ، أما الفقه الحديث فيضيف إلي هذين الركنين الركن الشرعي.
أ) الركن المادي:-
يتكون الركن المادي للجريمة من مظاهرها الخارجية القابلة للإدراك ويتشكل هذا الركن من عناصر ثلاثة. أولهما هو السلوك الصادر عن مرتكب الجريمة. وقد يكون هذا السلوك في صورة فعل إيجابي ، كإطلاق الرصاص أو التلفظ بالقذف أو السب ، قد يتخذ صورة الامتناع عن فعل أمر به المشرع ، كامتناع الأم عن إرضاع وليدها أو امتناع الممرضة عن تقديم الدواء للمريض أو امتناع القاضي عن الحكم في الدعوي المرفوعة إليه أو الامتناع عن دفع الضريبة المستحقة. أما العنصر الثاني في الركن المادي فهو النتيجة الإجرامية وتتمثل في الضرر الذي ينزله السلوك والمصلحة التي أراد المشرع حمايتها جنائياً كحدوث الوفاة اعتداء علي الحياة أو إصابة الجسد اعتداء علي سلامته ، أو المساس بالشرف والاعتبار ، وقد يقف الركن المادي عند حد السلوك ولا تتحقق النتيجة الإجرامية وهو ما يسمي بالشروع ، ويعاقب عليه المشرع في الجنايات والجنح " أما العنصر الثالث للركن المادي فهو علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة. ذلك أن مرتكب السلوك لا يسأل عن النتيجة الإجرامية التي أصابت الحق أو المصلحة المحمية جنائياً ما لم يكن ذلك السلوك هو سبب هذه النتيجة.
ب- الركن المعنوي:
لا يكفي لتوافر المسئولية عن الجريمة واستحقاق عقوبتها أن يصدر عن الشخص فعل أو امتناع يجرمه القانون أو يعاقب عليه ، إذ ذلك مجرد " إسناد مادي للجريمة لا يكفي لقيام المسئولية الجنائية ، إنما يجب أن يتوافر بجانبه الركن المعنوي أو ما يسمي " بالإسناد المعنوي " ، ويعني ضرورة توافر علاقة نفسية بين مرتكب السلوك والسلوك وما أدي إليه من نتيجة إجرامية. فالعقوبة لا تستحق لمجرد توافر الإسناد المادي وإنما يجب أن يثبت الخطأ في جانب مرتكب السلوك. وهذا الخطأ بالمعني الواسع للكلمة يرتكز علي عنصرين: أولهما هو الأهلية الجنائية أي أن يكون مرتكب السلوك أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية. أما العنصر الثاني في الركن المعنوي فيكون إذناب الإرادة ، وتتخذ إحدي صورتين: أولاهما هي " القصد الجنائي " ويتوافر باتجاه الإرادة إلي السلوك وإلي نتيجة الإجرامية ، كمن يطلق النار قاصداً إزهاق الروح. في هذه الصورة توصف الجريمة. من حيث ركنها المعوي – بأنها " عمدية ". أما الصورة الثانية لإذناب الإرادة " فتسمي بالخطأ غير العمدي ، وتفترض اتجاه الإرادة إلي ارتكاب السلوك دون النتيجة الإجرامية ومع ذلك يسأل المتهم لأن سلوكه مشوب بالخطأ.
جـ- الركن الشرعي:
أما الفقه الحديث فالراجح فيه إضافة ركن ثالث كي تتوافر الجريمة هو الركن الشرعي. ويذهب اتجاه قوي إلي أن جوهر هذا الركن هو " الصفة غير المشروعة " للفعل والتي تستمد من انطباق نص التجريم ، أو ما يعرف " بالنموذج القانوني للجريمة " علي الركنين المادي والمعنوي. ذلك أن ارتكاب سلوك ضار بمصلحة اجتماعية عامة لا ينشئ بذاته جريمة إذا لم يخضع هذا السلوك لنص يجرمه من قبل المشرع. فهذه الصفة غير المشروعة للفعل تشكل إذن ركناً لا غني عنه كي يكتسب الفعل وصف الجريمة.
لا جريمة دون نص يضفي علي ركنيها المادي والمعنوي صفة عدم المشروعية الجنائية.
فإن لكل جريمة ذاتيتها من حيث مضمون أركانها. فالركن المادي في القتل يقوم علي سلوك سبب وفاة المجني عليه وقد تتجه إرادة الفاعل إلي تحقيق هذه النتيجة الإجرامية ليكون القتل عمداً ، وقد لا يريدها بسلوكه الخاطئ فيكون القتل غير عمدي. والركن المادي في السرقة يقوم علي الاختلاس ، بينما يتوافر في النصب بالاستيلاء لي المال باستخدام وسائل احتيالية. وهكذا يلاحظ أن الأركان الخاصة بكل جريمة ليست سوي تطبيقاً للأركان العامة للجريمة.
ثانياً: الشرط المفترض:
يتميز الشرط المفترض لارتكاب الجريمة بأنه لا يدخل في تكوين ركنها المادي ولا ركنها المعنوي ، وإنما هو عنصر محل حماية جنائية سابق في وجوده أو معاصر لارتكاب الجريمة ولا تقوم بدونه. مثال ذلك افتراض حياة الإنسان المجني عليه في جريمة القتل عند ارتكابها ، وكذلك ملكية المال المسروق لغير سارقة.
المطلب الثاني
ظروف الجريمة
قد يحيط ارتكاب الجريمة ظروف تؤثر في درجة جسامتها سواء بزيادتها أو بنقصانها. وبعض من هذه الظروف يتصل بأحد ركني الجريمة فيلحق به دون أن يندمج فيه. والبعض الآخر لا علاقة له بأركان الجريمة ويقف أثره عند تشديد العقوبة أو تخفيفها.
والأصل أن المشرع هو الذي يتولي تحديد هذه الظروف المشددة أو المخففة أو المعفية من العقوبة ولكنه لا يستطيع الإحاطة بكافة الظروف الواقعية التي تخفف من جسامة الجريمة وبالتالي من عقوبتها. لذلك يترك أمر استخلاص هذه الظروف للقاضي في كل حالة علي حده.
المطلب الثالث
شروط العقاب
قد يتطلب المشرع حدوث واقعة معينة مستقلة عن الركن المادي للجريمة كي توقع العقوبة علي مرتكبيها وهو ما يطلق عليه شروط العقاب أو الشروط الموضوعية للعقاب. ومن الأهمية إذن تمييز هذه الشروط عن أركان الجريمة. فالفرض أن شرط العقاب مستقل عن التكوين القانوني للجريمة ويفترض بالتالي توافر أركانها ثم ينحصر أثر هذا الشرط في توقيع العقاب من عدمه. ويسوق الفقه أمثلة تقليدية لهذا الشرط كالتوقف عن الدفع لتوقيع عقوبة الإفلاس بالتدليس المنصوص عليها بالمادة 328 عقوبات ، والتنبيه بالدفع للعقاب علي جريمة الامتناع عن دفع النفقة المحكوم بها قضاء (م 293 عقوبات) والتلبس بالجريمة كشرط للعقاب علي التواجد في حالة سكر (م 385 عقوبات).
شروط العقاب
قد يتطلب المشرع حدوث واقعة معينة مستقلة عن الركن المادي للجريمة كي توقع العقوبة علي مرتكبيها وهو ما يطلق عليه شروط العقاب أو الشروط الموضوعية للعقاب. ومن الأهمية إذن تمييز هذه الشروط عن أركان الجريمة. فالفرض أن شرط العقاب مستقل عن التكوين القانوني للجريمة ويفترض بالتالي توافر أركانها ثم ينحصر أثر هذا الشرط في توقيع العقاب من عدمه. ويسوق الفقه أمثلة تقليدية لهذا الشرط كالتوقف عن الدفع لتوقيع عقوبة الإفلاس بالتدليس المنصوص عليها بالمادة 328 عقوبات ، والتنبيه بالدفع للعقاب علي جريمة الامتناع عن دفع النفقة المحكوم بها قضاء (م 293 عقوبات) والتلبس بالجريمة كشرط للعقاب علي التواجد في حالة سكر (م 385 عقوبات).
المبحث الثاني
أنواع الجرائم
المطلب الأول
تقسيم الجرائم طبقاً لجسامة العقوبات المقررة
يمثل التقسيم الثلاثي للجرائم إلي جنايات ، جنح ، ومخالفات أهم تقسيمات الجرائم. ويتخذ هذا التقسيم معياراً له نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة.
أولاً: معيار التقسيم الثلاثي:
يستهدف هذا التقسيم علي نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة. فالجنايات هي أكثر الجرائم جسامة وقد ميزها القانون بعقوبات من نوع معين في الإعداد ، الأشغال الشاقة المؤبدة ، الأشغال الشاقة المؤقتة ، والسجن (م 10 عقوبات) أما الجنح فهي جرائم متوسطة الجسامة ويعاقب عليها بالحبس أو الغرامة التي يزيد أقصي مقدارها علي مائة جنيه ، أو بكليهما معاً (م 11 عقوبات) ثم تأتي المخالفات وهي أقل الجرائم جسامة ويعاقب عليها بالغرامة التي لا يزيد أقصي مقدار لها علي مائة جنيه. ولتوضيح هذا التقسيم المعتمد علي معيار العقوبة يلاحظ ما يلي:
1- أن هذا التقسيم يبدأ لدي المشرع بتقييم مدي جسامة الجريمة من حيث أهمية المصلحة ومدي الضرر الذي يصيبها بالاعتداء ومدي خطورته مرتكبيها ثم يقرر لها العقوبة الملائمة لجسامتها من بين العقوبات المقررة قانوناً.
2- أن المشرع قد أفراد للجنايات أنواع معينة من العقوبات تتفق مع جسامتها كما خص الجنح بعقوبة الحبس ، بينما تشكل الغرامة عقوبة لكل من الجنح والمخالفات. وتكون عقوبة جنحة إذا زاد حدها الأقصي عن مائة جنيه ، بينما تكون عقوبة مخالفة إذا لم يزد هذا الحد الأقصي عن مائة جنيه.
3- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بالعقوبة المقررة لها بالنص وليس بالعقوبة التي ينطق بها القاضي فتظل الجريمة جنحة ولو صدر حكم القاضي بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه طالما أن العقوبة التي يقررها النص يجاوز حدها الأقصي مائة جنيه ومع ذلك يعتد بحكم القاضي في تكييف الجريمة تجريداً عن الوصف الذي رفعت به الدعوي. فإذا رفعت النيابة الدعوي علي أساس أن الجريمة جناية ولكن المحكمة ارتأت أنها جنحة فالعبرة هنا بما قررته المحكمة.
4- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم هو بالعقوبة الأصلية تجريداً علي العقوبات التكميلية والتبعية التي تقرر لبعض الجرائم.
ثانياً: أثر الظروف علي تحديد نوع الجريمة:-
أن الظروف التي تحيط ارتكاب جريمة قد تؤثر علي العقوبة المقررة لها أصلاً سواء بالتشديد أو بالتخفيف.
1- أثر الظروف المخففة:-
إذا ترتب علي العذر القانوني أو الظرف القضائي الحكم في الجناية بعقوبة جنحة اتجه رأي إلي تحول الجناية إلي جنحة في هذا الفرض. فالعبرة في نوع الجريمة بالعقوبة التي ينطق بها القاضي طبقاً للقانون ، يستوي في ذلك العذر القانوني والظرف القضائي. ففي حالة العذر القانوني يوجب القانون علي القاضي الحكم بعقوبة جنحة فلا تكون للجريمة سوي عقوبة واحدة هي عقوبة الجنحة هذه وتتحول الجناية بالتالي إلي جنحة. وكذلك الأمر ، فإن الحكم بعقوبة الجنحة كأثر لظرف قضائي يتم طبقاً للقانون الذي أجاز للقاضي استخلاص الظروف المخففة في كل حالة علي حده وإمكانية النزول بعقوبة الجناية إلي عقوبة الجنحة.
2- أثر الظروف المشددة:-
أن الظروف المشددة كلها من تحديد المشرع فلا سلطة للقاضي في استخلاصها ، ولكنها يمكن أن تكون وجوبية أو جوازية. فإذا كان الظرف المشدد وجوبياً التزم القاضي بالتشديد أي بالحكم بعقوبة جناية بدلاً من عقوبة الجنحة المقررة أصلاً للجريمة ، مثال ذلك توافر الإكراه في السرقة. وأجمع الفقه هنا علي أن الجريمة تصبح جناية باعتبار أن المشرع هو المحدد لهذه العقوبة ولا خيار للقاضي في توقيعها.
أما حيث يكون الظرف المشدد جوازياً فإن القاضي يكون بالخيار بين توقيع عقوبة الجنحة أو عقوبة الجناية. وقد اتجه البعض إلي أن الحكم في الجنحة بعقوبة الجناية لا يغير من طبيعة الجنحة ، وسند ذلك أن الظروف المشددة الجوازية تستمد من الظروف الشخصية للمتهم ولا قبل المشرع عند تحديد جسامة الجريمة بهذه الظروف وإنما يحدد هذه الجسامة علي أساس ماديات الجريمة من سلوك ونتيجة.
ثالثاً: تقييم التقسيم الثلاثي للجرائم:-
وقد تمثل النقد الموجه إلي التقسيم الثلاثي فيما يلي:
1- الافتقاد إلي المنطق:
فقد عيب علي هذا التقسيم قيامه علي منطق معكوس ، ذلك أنه يجعل من العقوبة المقررة للجريمة معيارا لدرجة جسامتها ، بينما العكس هو الصحيح فجسامة الجريمة هي التي تحدد شدة عقوبتها. وهذا النقد ظاهر البطلان. فكما سبق أن ذكرنا ، يبدأ العمل التشريعي بتحديد درجة جسامة الجريمة وفي ضوئها تعدد العقوبة المناسبة نوعاً وقدراً. وتصبح هذه العقوبة بعدئذ معياراً واضحاً سهل التطبيق للوقوف علي موقع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم.
2- افتقاد التقسيم إلي المنهج العلمي:
وذلك باعتبار أنه لا يعتمد علي طبيعة الجريمة وإنما علي نتيجتها متمثلة في العقوبة. وهذا النقد ميسور دفعه. فهذا التقسيم القائم علي درجة جسامة الجريمة ، وبالتالي شدة العقوبة المقررة لها ، يعكس الروح الجزائية لقانون العقوبات التقليدي ، وهي الروح التي عادت تسود بقوة بعد أن كانت تتلاشي أمام فكر المدرسة الوضعية.
المطلب الثاني
الطابع السياسي للجريمة
تعود فكرة الجريمة السياسية إلي عهود المجتمعات المنظمات كاعتداء علي النظام السياسي للدولة مختلطاً آئذاك بالسيادة الملكية للحاكم. ورغم قدم الفكرة إلا أنها لم تحظ حتي الآن بتعريف مجمع عليه حيث بتنازعها اتجاهان أولهما هو المعيار الموضوعي وثانيها هو المعيار الشخصي.
أولاً: معيار الجريمة السياسية:
1- المعيار الموضوعي:
يرتكز هذا المعيار علي طبيعة الحق محل الحماية الجنائية. وعلي ذلك تعتبر الجريمة سياسية إذا أصابت حقاً له هذا الطابع. يستوي في ذلك أن يكون الباعث علي ارتكابها سياسياً أم لا. والحق السياسي غالباً ما تكون للدولة ، ومع ذلك قد يكون خاصاً بالأفراد. والحقوق السياسية للدولة هي التي يعترف بها لها كسلطة سياسية. وتشمل هذه السلطة سيادتها علي أرضها وشعبها في مواجهة القوي الخارجية والداخلية. وبالتالي تعتبر جرائم سياسية جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الخارج كالتجسس وكذلك جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الداخل. أما الجرائم التي تمس الدولة كسلطة إدارية ، مثل الرشوة واختلاس الأموال العامة فلا تعتبر جرائم سياسية.
2- المعيار الشخصي:
تعتبر الجريمة سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان باعثها سياسياً ولو أصابت حقاً مجرداً من الصفة السياسية. فاغتيال رئيس دولة أو حزب معارض هو اعتداء علي الحق في الحياة المجرد من الصفة السياسية ، ومع ذلك تعتبر الجريمة هنا سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان الباعث عليها قلب نظام الحكم وكذلك فإن السرقة والتهب اعتداء علي الملكية ، ومع ذلك تكون الجريمة سياسياً إذا قصد بها تمويل نشاط حزب أو تمرد أو ثورة أو حملة انتخابية.
ثانياً: السياسة التشريعية تجاه الجريمة السياسية:-
بديهي أن تلقي الجريمة السياسية معاملة قاسية في عهود الملكيات المستبدة حيث اندمجت سيادة الدولة في السيادة الملكية. إلا أن القرن التاسع عشر قد شهد نوعاً من التعاطف مع مرتكبي الجرائم السياسية علي أساس من نبل باعث المجرم السياسي الذي لا يرجو نفعاً شخصياً من نشاطه وإنما يري فيه خيراً لمجتمعه حسب اعتقاده السياسي.
ولم يحفل المشرع المصري بتقديم بتعريف عام للجريمة السياسية ، كما لم يخصها بنظام جنائي مستقل ، إلا أنه اختصها بتعريف في مناسبة خاصة كما ميزها بقيل من الأحكام الاستثنائية علي النحو التالي:
1- بمناسبة قيام ثورة 23 يوليو 1952 أصدر مجلس قيادة الثورة المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 بالعفو عن الجرائم السياسية التي ارتكبت منذ توقيع معاهدة 1936 وحتي قيام الثورة. وقد نصت المادة الأولي من هذا المرسوم علي أن " يعفي عفواً شاملاً عن الجنايات والجنح والشروع فيها التي ارتكبت لسبب أو لفرض سياسي وتكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد ، وذلك في المدة بين 26 أغسطس 1936 و 22 يوليو 1952. وتأخذ حكم الجريمة السابقة كل جريمة أخري اقترنت بها أو تقدمتها أو تلتها وكان القصد منها التأهب لفعلها أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب او التخلص من العقوبة أو أيوائهم أو إخفاء أدلة الجريمة. ويستخلص من هذا النص الملاحظات الآتية:-
أ- تبني المشرع المعيار الشخصي في تحديده للجريمة السياسية.
ب- استبعد المشرع من تطبيق هذا النص نوعين من الجرائم ولو كانت قد ارتكبت لباعث سياسي. أولهما هي الجرائم المتعلقة بالشئون الخارجية للبلاد كالتجسس أو التعاون مع العدو ، وثاني النوعين هي جنايات القتل العمد ، نظراً لخطورتها وجسامة نتائجها.
جـ- أخضع المشرع لقانون العفو ليس فقط الجريمة السياسية وإنما أيضاً الجريمة المرتب بها المرتكبة بقصد التأهب لارتكاب الجريمة السياسية أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب.
2- في النطاق الإجرائي ميز المشرع جرائم النشر بمعاملة خاصة.
3- أن تسليم اللاجئين السياسيين محظور طبقاً للدستور (م 53/2) يستوي في ذلك أن يكون اللاجئ السياسي قد ارتكب جريمة سياسية أم لا.
4- كان مشروع قانون العقوبات الموحد لسنة 1961 يتبني تعريفاً للجريمة السياسية مزدوج العيار (موضوعي – شخصي) حيث كان ينص علي أن الجرائم السياسية هي الجرائم المقصورة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي وهي كذلك الجرائم الواقعة علي الحقوق العامة والفردية (م 55) إلا أن مشروع قانون العقوبات اللاحق عام 1966 لم يتعرض لهذا التعريف.
المطلب الثالث
الجريمة العسكرية
أولاً: تعريف الجريمة العسكرية:-
يميز الجريمة العسكرية اعتداؤها علي مصلحة عسكرية. وقد أولي المشرع هذه المصلحة رعاية خاصة اقتضت تجريم أفعال لا يجرمها القانون العام ، كما أخذ مرتكبي الجرائم العسكرية بشدة تتناسب مع صراحة النظام العسكري. ويمكن أن يستخلص من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 أن الجريمة العسكرية محكومة بمعيارين أولهما موضوعي ويتضمن أكثر من جانب ، وثانيهما شخصي يعود إلي الصفة العسكرية للجاني أو المجني عليه.
1- المعيار الموضوعي:
وطبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية لمساسها بمصلحة عسكرية أما بسبب مكان ارتكابها أو موضوعها.
أ- الجريمة العسكرية باعتبار مكانها:-
نصت المادة الخامسة من قانون الأحكام العسكرية علي سريان أحكام هذا القانون علي كل مرتكب إحدي الجرائم الآتية:-
أ- " الجرائم التي تقع في المعسكرات أو التكفات أو المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو المركبات أو الأماكن أو المحلات التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المسلحة أينما وجدت " وتكون الجريمة عسكرية طبقاً لهذا النص أياً كانت طبيعتها أو موضوعها أو صفة المجني عليه فيها.
ب- الجريمة العسكرية باعتبار موضوعها:
أشارت الفقرة " ب " إلي هذا الشق من المعيار الموضوعي فذكرت " الجرائم التي تقع علي معدات ومهمات وأسلحة وذخائر وأسرار القوات المسلحة وكافة متعلقاتها " فالجريمة تكون عسكرية إذا كان موضوعها شيئاً من متعلقات القوات المسلحة أياً كان نوع الجريمة أو طبيعتها أو صفة الجاني أو المجني عليه فيها أو مكان ارتكابها.
2- المعيار الشخصي:
طبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية إذا ارتكبت من أو علي أحد الأشخاص الخاضعين لقانون الأحكام العسكرية ، وقد حددتهم المادة الرابعة من هذا القانون. ويشترك لإضفاء الطابع العسكري علي الجريمة طبقاً لهذا المعيار أن ترتكب بسبب أداء أعمال العسكرية.
ثانياً: أنواع الجرائم العسكرية:-
1- الجرائم العسكرية الباحثة أو البسيطة:-
وترتكب هذه الجرائم بالمخالفة لقواعد تمليها مصلحة عسكرية بحته وتتعلق بالانضباط في القوات المسلحة ولا نظير لها في قانون العقوبات العام. مثال ذلك جرائم الخدمة وعدم اللياقة في السلوك.
2- الجرائم العسكرية المختلطة:-
وهي جرائم يعاقب عليها قانون الأحكام العسكرية وكذلك قانون العقوبات العام كأن ترتكب سرقة أو اختلاس أو إتلاف في مكان عسكري أو علي مال له ذات الصفة أو من أحد الخاضعين لهذا القانون بسبب أدائه لوظيفته.
وأهم ما يترتب علي التمييز بين نوعي الجرائم العسكرية ، البحتة والمختلطة ، أن الأولي تخضع فقط للقواعد الموضوعية المنصوص عليها بقانون الأحكام العسكرية ، بينما تخضع الثانية لقواعد هذا القانون الأخير وكذلك قانون العقوبات العام الذي يطبق فيما لم يرد بشأن نص في قانون الأحكام العسكرية. أما من حيث الاختصاص والإجراءات فحيث ينعقد اختصاص للقضاء العسكري يطبق قانون الأحكام العسكرية (الباب الأول) سواء كانت الجريمة العسكرية بحتة أو مختلطة .
ثالثاً: أهمية التمييز بين الجرائم العسكرية وجرائم القانون العام:-
تخلص هذه الأهمية فيما يلي:
1- يختص القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم العسكرية كما ينظر بعض جرائم القانون العام إذا أحيلت إليه بقرار من رئيس الجمهورية علي ما قدمنا.
2- أياً كان سبب اختصاص القضاء العسكري بنظر الجريمة ، تطبق القواعد الإجرائية الواردة بقانون الأحكام العسكرية ولا يطبق قانون الإجراءات الجنائية العام.
3- يطبق القضاء العسكري القواعد الموضوعية الواردة بقانون الأحكام العسكرية علي الجرائم العسكرية ، سواء كانت بحتة أم مختلطة. بينما يطبق قانون العقوبات العام علي الجرائم العادية التي ينعقد الاختصاص بنظرها للقضاء العسكري بناء علي قرار من رئيس الجمهورية.
4- جري العرف الدولي علي حظر تسليم المجرمين العسكريين كما هو الحال بالنسبة للمجرمين السياسيين بينما يجوز هذا التسلي في جرائم القانون العام.
الباب الثاني: الركن الشرعي
أولاً: مضمون الركن الشرعي وأهميته:-
يرتكز الركن الشرعي للجريمة علي عنصرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي: أما العنصر الإيجابي فيتمثل في خضوع الفعل لنص التجريم. وأما العنصر السلبي فيتوافر بعدم خضوعه لسبب إباحة.
أنواع الجرائم
المطلب الأول
تقسيم الجرائم طبقاً لجسامة العقوبات المقررة
يمثل التقسيم الثلاثي للجرائم إلي جنايات ، جنح ، ومخالفات أهم تقسيمات الجرائم. ويتخذ هذا التقسيم معياراً له نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة.
أولاً: معيار التقسيم الثلاثي:
يستهدف هذا التقسيم علي نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة. فالجنايات هي أكثر الجرائم جسامة وقد ميزها القانون بعقوبات من نوع معين في الإعداد ، الأشغال الشاقة المؤبدة ، الأشغال الشاقة المؤقتة ، والسجن (م 10 عقوبات) أما الجنح فهي جرائم متوسطة الجسامة ويعاقب عليها بالحبس أو الغرامة التي يزيد أقصي مقدارها علي مائة جنيه ، أو بكليهما معاً (م 11 عقوبات) ثم تأتي المخالفات وهي أقل الجرائم جسامة ويعاقب عليها بالغرامة التي لا يزيد أقصي مقدار لها علي مائة جنيه. ولتوضيح هذا التقسيم المعتمد علي معيار العقوبة يلاحظ ما يلي:
1- أن هذا التقسيم يبدأ لدي المشرع بتقييم مدي جسامة الجريمة من حيث أهمية المصلحة ومدي الضرر الذي يصيبها بالاعتداء ومدي خطورته مرتكبيها ثم يقرر لها العقوبة الملائمة لجسامتها من بين العقوبات المقررة قانوناً.
2- أن المشرع قد أفراد للجنايات أنواع معينة من العقوبات تتفق مع جسامتها كما خص الجنح بعقوبة الحبس ، بينما تشكل الغرامة عقوبة لكل من الجنح والمخالفات. وتكون عقوبة جنحة إذا زاد حدها الأقصي عن مائة جنيه ، بينما تكون عقوبة مخالفة إذا لم يزد هذا الحد الأقصي عن مائة جنيه.
3- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بالعقوبة المقررة لها بالنص وليس بالعقوبة التي ينطق بها القاضي فتظل الجريمة جنحة ولو صدر حكم القاضي بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه طالما أن العقوبة التي يقررها النص يجاوز حدها الأقصي مائة جنيه ومع ذلك يعتد بحكم القاضي في تكييف الجريمة تجريداً عن الوصف الذي رفعت به الدعوي. فإذا رفعت النيابة الدعوي علي أساس أن الجريمة جناية ولكن المحكمة ارتأت أنها جنحة فالعبرة هنا بما قررته المحكمة.
4- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم هو بالعقوبة الأصلية تجريداً علي العقوبات التكميلية والتبعية التي تقرر لبعض الجرائم.
ثانياً: أثر الظروف علي تحديد نوع الجريمة:-
أن الظروف التي تحيط ارتكاب جريمة قد تؤثر علي العقوبة المقررة لها أصلاً سواء بالتشديد أو بالتخفيف.
1- أثر الظروف المخففة:-
إذا ترتب علي العذر القانوني أو الظرف القضائي الحكم في الجناية بعقوبة جنحة اتجه رأي إلي تحول الجناية إلي جنحة في هذا الفرض. فالعبرة في نوع الجريمة بالعقوبة التي ينطق بها القاضي طبقاً للقانون ، يستوي في ذلك العذر القانوني والظرف القضائي. ففي حالة العذر القانوني يوجب القانون علي القاضي الحكم بعقوبة جنحة فلا تكون للجريمة سوي عقوبة واحدة هي عقوبة الجنحة هذه وتتحول الجناية بالتالي إلي جنحة. وكذلك الأمر ، فإن الحكم بعقوبة الجنحة كأثر لظرف قضائي يتم طبقاً للقانون الذي أجاز للقاضي استخلاص الظروف المخففة في كل حالة علي حده وإمكانية النزول بعقوبة الجناية إلي عقوبة الجنحة.
2- أثر الظروف المشددة:-
أن الظروف المشددة كلها من تحديد المشرع فلا سلطة للقاضي في استخلاصها ، ولكنها يمكن أن تكون وجوبية أو جوازية. فإذا كان الظرف المشدد وجوبياً التزم القاضي بالتشديد أي بالحكم بعقوبة جناية بدلاً من عقوبة الجنحة المقررة أصلاً للجريمة ، مثال ذلك توافر الإكراه في السرقة. وأجمع الفقه هنا علي أن الجريمة تصبح جناية باعتبار أن المشرع هو المحدد لهذه العقوبة ولا خيار للقاضي في توقيعها.
أما حيث يكون الظرف المشدد جوازياً فإن القاضي يكون بالخيار بين توقيع عقوبة الجنحة أو عقوبة الجناية. وقد اتجه البعض إلي أن الحكم في الجنحة بعقوبة الجناية لا يغير من طبيعة الجنحة ، وسند ذلك أن الظروف المشددة الجوازية تستمد من الظروف الشخصية للمتهم ولا قبل المشرع عند تحديد جسامة الجريمة بهذه الظروف وإنما يحدد هذه الجسامة علي أساس ماديات الجريمة من سلوك ونتيجة.
ثالثاً: تقييم التقسيم الثلاثي للجرائم:-
وقد تمثل النقد الموجه إلي التقسيم الثلاثي فيما يلي:
1- الافتقاد إلي المنطق:
فقد عيب علي هذا التقسيم قيامه علي منطق معكوس ، ذلك أنه يجعل من العقوبة المقررة للجريمة معيارا لدرجة جسامتها ، بينما العكس هو الصحيح فجسامة الجريمة هي التي تحدد شدة عقوبتها. وهذا النقد ظاهر البطلان. فكما سبق أن ذكرنا ، يبدأ العمل التشريعي بتحديد درجة جسامة الجريمة وفي ضوئها تعدد العقوبة المناسبة نوعاً وقدراً. وتصبح هذه العقوبة بعدئذ معياراً واضحاً سهل التطبيق للوقوف علي موقع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم.
2- افتقاد التقسيم إلي المنهج العلمي:
وذلك باعتبار أنه لا يعتمد علي طبيعة الجريمة وإنما علي نتيجتها متمثلة في العقوبة. وهذا النقد ميسور دفعه. فهذا التقسيم القائم علي درجة جسامة الجريمة ، وبالتالي شدة العقوبة المقررة لها ، يعكس الروح الجزائية لقانون العقوبات التقليدي ، وهي الروح التي عادت تسود بقوة بعد أن كانت تتلاشي أمام فكر المدرسة الوضعية.
المطلب الثاني
الطابع السياسي للجريمة
تعود فكرة الجريمة السياسية إلي عهود المجتمعات المنظمات كاعتداء علي النظام السياسي للدولة مختلطاً آئذاك بالسيادة الملكية للحاكم. ورغم قدم الفكرة إلا أنها لم تحظ حتي الآن بتعريف مجمع عليه حيث بتنازعها اتجاهان أولهما هو المعيار الموضوعي وثانيها هو المعيار الشخصي.
أولاً: معيار الجريمة السياسية:
1- المعيار الموضوعي:
يرتكز هذا المعيار علي طبيعة الحق محل الحماية الجنائية. وعلي ذلك تعتبر الجريمة سياسية إذا أصابت حقاً له هذا الطابع. يستوي في ذلك أن يكون الباعث علي ارتكابها سياسياً أم لا. والحق السياسي غالباً ما تكون للدولة ، ومع ذلك قد يكون خاصاً بالأفراد. والحقوق السياسية للدولة هي التي يعترف بها لها كسلطة سياسية. وتشمل هذه السلطة سيادتها علي أرضها وشعبها في مواجهة القوي الخارجية والداخلية. وبالتالي تعتبر جرائم سياسية جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الخارج كالتجسس وكذلك جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الداخل. أما الجرائم التي تمس الدولة كسلطة إدارية ، مثل الرشوة واختلاس الأموال العامة فلا تعتبر جرائم سياسية.
2- المعيار الشخصي:
تعتبر الجريمة سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان باعثها سياسياً ولو أصابت حقاً مجرداً من الصفة السياسية. فاغتيال رئيس دولة أو حزب معارض هو اعتداء علي الحق في الحياة المجرد من الصفة السياسية ، ومع ذلك تعتبر الجريمة هنا سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان الباعث عليها قلب نظام الحكم وكذلك فإن السرقة والتهب اعتداء علي الملكية ، ومع ذلك تكون الجريمة سياسياً إذا قصد بها تمويل نشاط حزب أو تمرد أو ثورة أو حملة انتخابية.
ثانياً: السياسة التشريعية تجاه الجريمة السياسية:-
بديهي أن تلقي الجريمة السياسية معاملة قاسية في عهود الملكيات المستبدة حيث اندمجت سيادة الدولة في السيادة الملكية. إلا أن القرن التاسع عشر قد شهد نوعاً من التعاطف مع مرتكبي الجرائم السياسية علي أساس من نبل باعث المجرم السياسي الذي لا يرجو نفعاً شخصياً من نشاطه وإنما يري فيه خيراً لمجتمعه حسب اعتقاده السياسي.
ولم يحفل المشرع المصري بتقديم بتعريف عام للجريمة السياسية ، كما لم يخصها بنظام جنائي مستقل ، إلا أنه اختصها بتعريف في مناسبة خاصة كما ميزها بقيل من الأحكام الاستثنائية علي النحو التالي:
1- بمناسبة قيام ثورة 23 يوليو 1952 أصدر مجلس قيادة الثورة المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 بالعفو عن الجرائم السياسية التي ارتكبت منذ توقيع معاهدة 1936 وحتي قيام الثورة. وقد نصت المادة الأولي من هذا المرسوم علي أن " يعفي عفواً شاملاً عن الجنايات والجنح والشروع فيها التي ارتكبت لسبب أو لفرض سياسي وتكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد ، وذلك في المدة بين 26 أغسطس 1936 و 22 يوليو 1952. وتأخذ حكم الجريمة السابقة كل جريمة أخري اقترنت بها أو تقدمتها أو تلتها وكان القصد منها التأهب لفعلها أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب او التخلص من العقوبة أو أيوائهم أو إخفاء أدلة الجريمة. ويستخلص من هذا النص الملاحظات الآتية:-
أ- تبني المشرع المعيار الشخصي في تحديده للجريمة السياسية.
ب- استبعد المشرع من تطبيق هذا النص نوعين من الجرائم ولو كانت قد ارتكبت لباعث سياسي. أولهما هي الجرائم المتعلقة بالشئون الخارجية للبلاد كالتجسس أو التعاون مع العدو ، وثاني النوعين هي جنايات القتل العمد ، نظراً لخطورتها وجسامة نتائجها.
جـ- أخضع المشرع لقانون العفو ليس فقط الجريمة السياسية وإنما أيضاً الجريمة المرتب بها المرتكبة بقصد التأهب لارتكاب الجريمة السياسية أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب.
2- في النطاق الإجرائي ميز المشرع جرائم النشر بمعاملة خاصة.
3- أن تسليم اللاجئين السياسيين محظور طبقاً للدستور (م 53/2) يستوي في ذلك أن يكون اللاجئ السياسي قد ارتكب جريمة سياسية أم لا.
4- كان مشروع قانون العقوبات الموحد لسنة 1961 يتبني تعريفاً للجريمة السياسية مزدوج العيار (موضوعي – شخصي) حيث كان ينص علي أن الجرائم السياسية هي الجرائم المقصورة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي وهي كذلك الجرائم الواقعة علي الحقوق العامة والفردية (م 55) إلا أن مشروع قانون العقوبات اللاحق عام 1966 لم يتعرض لهذا التعريف.
المطلب الثالث
الجريمة العسكرية
أولاً: تعريف الجريمة العسكرية:-
يميز الجريمة العسكرية اعتداؤها علي مصلحة عسكرية. وقد أولي المشرع هذه المصلحة رعاية خاصة اقتضت تجريم أفعال لا يجرمها القانون العام ، كما أخذ مرتكبي الجرائم العسكرية بشدة تتناسب مع صراحة النظام العسكري. ويمكن أن يستخلص من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 أن الجريمة العسكرية محكومة بمعيارين أولهما موضوعي ويتضمن أكثر من جانب ، وثانيهما شخصي يعود إلي الصفة العسكرية للجاني أو المجني عليه.
1- المعيار الموضوعي:
وطبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية لمساسها بمصلحة عسكرية أما بسبب مكان ارتكابها أو موضوعها.
أ- الجريمة العسكرية باعتبار مكانها:-
نصت المادة الخامسة من قانون الأحكام العسكرية علي سريان أحكام هذا القانون علي كل مرتكب إحدي الجرائم الآتية:-
أ- " الجرائم التي تقع في المعسكرات أو التكفات أو المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو المركبات أو الأماكن أو المحلات التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المسلحة أينما وجدت " وتكون الجريمة عسكرية طبقاً لهذا النص أياً كانت طبيعتها أو موضوعها أو صفة المجني عليه فيها.
ب- الجريمة العسكرية باعتبار موضوعها:
أشارت الفقرة " ب " إلي هذا الشق من المعيار الموضوعي فذكرت " الجرائم التي تقع علي معدات ومهمات وأسلحة وذخائر وأسرار القوات المسلحة وكافة متعلقاتها " فالجريمة تكون عسكرية إذا كان موضوعها شيئاً من متعلقات القوات المسلحة أياً كان نوع الجريمة أو طبيعتها أو صفة الجاني أو المجني عليه فيها أو مكان ارتكابها.
2- المعيار الشخصي:
طبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية إذا ارتكبت من أو علي أحد الأشخاص الخاضعين لقانون الأحكام العسكرية ، وقد حددتهم المادة الرابعة من هذا القانون. ويشترك لإضفاء الطابع العسكري علي الجريمة طبقاً لهذا المعيار أن ترتكب بسبب أداء أعمال العسكرية.
ثانياً: أنواع الجرائم العسكرية:-
1- الجرائم العسكرية الباحثة أو البسيطة:-
وترتكب هذه الجرائم بالمخالفة لقواعد تمليها مصلحة عسكرية بحته وتتعلق بالانضباط في القوات المسلحة ولا نظير لها في قانون العقوبات العام. مثال ذلك جرائم الخدمة وعدم اللياقة في السلوك.
2- الجرائم العسكرية المختلطة:-
وهي جرائم يعاقب عليها قانون الأحكام العسكرية وكذلك قانون العقوبات العام كأن ترتكب سرقة أو اختلاس أو إتلاف في مكان عسكري أو علي مال له ذات الصفة أو من أحد الخاضعين لهذا القانون بسبب أدائه لوظيفته.
وأهم ما يترتب علي التمييز بين نوعي الجرائم العسكرية ، البحتة والمختلطة ، أن الأولي تخضع فقط للقواعد الموضوعية المنصوص عليها بقانون الأحكام العسكرية ، بينما تخضع الثانية لقواعد هذا القانون الأخير وكذلك قانون العقوبات العام الذي يطبق فيما لم يرد بشأن نص في قانون الأحكام العسكرية. أما من حيث الاختصاص والإجراءات فحيث ينعقد اختصاص للقضاء العسكري يطبق قانون الأحكام العسكرية (الباب الأول) سواء كانت الجريمة العسكرية بحتة أو مختلطة .
ثالثاً: أهمية التمييز بين الجرائم العسكرية وجرائم القانون العام:-
تخلص هذه الأهمية فيما يلي:
1- يختص القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم العسكرية كما ينظر بعض جرائم القانون العام إذا أحيلت إليه بقرار من رئيس الجمهورية علي ما قدمنا.
2- أياً كان سبب اختصاص القضاء العسكري بنظر الجريمة ، تطبق القواعد الإجرائية الواردة بقانون الأحكام العسكرية ولا يطبق قانون الإجراءات الجنائية العام.
3- يطبق القضاء العسكري القواعد الموضوعية الواردة بقانون الأحكام العسكرية علي الجرائم العسكرية ، سواء كانت بحتة أم مختلطة. بينما يطبق قانون العقوبات العام علي الجرائم العادية التي ينعقد الاختصاص بنظرها للقضاء العسكري بناء علي قرار من رئيس الجمهورية.
4- جري العرف الدولي علي حظر تسليم المجرمين العسكريين كما هو الحال بالنسبة للمجرمين السياسيين بينما يجوز هذا التسلي في جرائم القانون العام.
الباب الثاني: الركن الشرعي
أولاً: مضمون الركن الشرعي وأهميته:-
يرتكز الركن الشرعي للجريمة علي عنصرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي: أما العنصر الإيجابي فيتمثل في خضوع الفعل لنص التجريم. وأما العنصر السلبي فيتوافر بعدم خضوعه لسبب إباحة.
الفصل الأول
العنصر الإيجابي : نص التجريم
أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون. ومن هذا المبدأ تنساب نتيجة بديهية تتمثل في حصر مصدر التجريم في التشريع. ومن هذا المبدأ أيضاً ينطلق التساؤل عن كيفية تفسير نص القانون علي نحو يحفظ للمبدأ مضمونه وأهدافه.
فإذا كان التشريع هو المصدر الوحيد للتجريم والعقاب. وجب بعدئذ الوقوف علي نطاقه المكاني ، وسلطانه الزمني ، وحدوده الشخصية.
المبحث الأول
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
المطلب الأول
مفهوم مبدأ الشرعية ، تاريخه وتقييمه
أولاً: مفهوم المبدأ:
يعني مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أن المشرع وحده هو المنوط تحديد الأفعال المعتبرة جرائم والعقوبة المقررة لكل منها. ومفاد ذلك أن دور القاضي يقف عند تطبيق التشريع ، فلا يدين شخصاً بجريمة إلا إذا كان الفعل المسند إليه يشكل جريمة طبقاً لنصوص القانون ، ويمتنع عليه ذلك مهما كان الفعل مخالفاً للقيم الاجتماعية ، الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع.
وبهذا المعني يشكل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ترجمة لمبدأ الفصل بين سلطات الدولة حيث تختص السلطة التشريعية بسن القوانين بينما تتولي السلطة القضائية تطبيقها. ومن ناحية أخري ، يشكل مبدأ شرعية الجرائم العقوبات تطبيقاً لمبدأ أعم وأشمل هو مبدأ الشرعية بوجه عام الذي يسود الدرجة المتحضرة ، ويعني خضوع الدولة ، سلطات وأفراد لحكم القانون ، ويسمي أحياناً بمبدأ سيادة القانون.
ثانياً: تاريخ المبدأ:
ينسب ظهور هذا المبدأ لأول مرة إلي العهد الأعظم (م 39) الذي منحه الملك " جون " بانجلترا إلي رعاياه عام 2015 م ، ثم اصطحبه معهم المهاجرون الإنجليز إلي أمريكا الشمالية حيث نص عليه في إعلان الحقوق سنة 1773. كما عرف هذا المبدأ في قانون العقوبات النمساوي سنة 1718.
وقبل ذلك بكثير وجد المبدأ مكانته في الشريعة الإسلامية وإن لم يعرفه الفقه الإسلامي بذات التسمية التي ذاع بها في التشريعات الوضعية اللاحقة والمبدأ مستخلص بسهولة من قوله تعالي: " وما كنا معذبين حتي نبعث رسولاً".
ثالثاً: تقييم المبدأ:
لا شك في ارتكاز مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات علي أسس راسخة لا شك أيضاً في تحقيقه مزايا قيمة ، ومع ذلك فغنه لم يسلم من النقد الذي لا ينال من أهميته.
1- أسس المبدأ ومزاياه:-
أ- من الناحية السياسية:
أن تشكل الشرعية الجنائية شقاً من الشرعية بوجه عام أي خضوع الدولة ، سلطات وأفراد ، لحكم القانون. فالقانون هو الأداة التي تحدد الجرائم والعقوبات وما يترتب عليها من علاقات بين السلطة والمتهم دون تعسف أو تحكم يعصف بالحريات العامة.
ب- من حيث العدالة:
تفترض إدانة المتهم وعقابه اتجاه إرادته إلي مخالفة القانون ، يستوي في ذلك أن يقصد بسلوكه تحقيق نتيجة ضارة أم لا. فاقتضاء حق الدولة في العقاب يفترض عدالة إمكانية العلم المسبق بما يعتبر جرائم والعقوبات المقررة لها. ولا شك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو الكفيل بتحقيق إمكانية هذا العلم من خلال إصدار القانون ونشره قبل العمل به.
جـ- من حيث تحقيق الردع العام:
أحد أهم أغراض العقوبة في الفكر التقليدي والحديث أيضاً هو تحقيق الردع العام ، أي تهديد المجرمين المحتملين بسوء عاقبة سلوك طريق الجريمة ولا يمكن تحقيق هذا الغرض إلا بالنص المسبق علي الجرائم والعقوبات المقررة لها كل علي حده.
العنصر الإيجابي : نص التجريم
أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون. ومن هذا المبدأ تنساب نتيجة بديهية تتمثل في حصر مصدر التجريم في التشريع. ومن هذا المبدأ أيضاً ينطلق التساؤل عن كيفية تفسير نص القانون علي نحو يحفظ للمبدأ مضمونه وأهدافه.
فإذا كان التشريع هو المصدر الوحيد للتجريم والعقاب. وجب بعدئذ الوقوف علي نطاقه المكاني ، وسلطانه الزمني ، وحدوده الشخصية.
المبحث الأول
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
المطلب الأول
مفهوم مبدأ الشرعية ، تاريخه وتقييمه
أولاً: مفهوم المبدأ:
يعني مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أن المشرع وحده هو المنوط تحديد الأفعال المعتبرة جرائم والعقوبة المقررة لكل منها. ومفاد ذلك أن دور القاضي يقف عند تطبيق التشريع ، فلا يدين شخصاً بجريمة إلا إذا كان الفعل المسند إليه يشكل جريمة طبقاً لنصوص القانون ، ويمتنع عليه ذلك مهما كان الفعل مخالفاً للقيم الاجتماعية ، الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع.
وبهذا المعني يشكل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ترجمة لمبدأ الفصل بين سلطات الدولة حيث تختص السلطة التشريعية بسن القوانين بينما تتولي السلطة القضائية تطبيقها. ومن ناحية أخري ، يشكل مبدأ شرعية الجرائم العقوبات تطبيقاً لمبدأ أعم وأشمل هو مبدأ الشرعية بوجه عام الذي يسود الدرجة المتحضرة ، ويعني خضوع الدولة ، سلطات وأفراد لحكم القانون ، ويسمي أحياناً بمبدأ سيادة القانون.
ثانياً: تاريخ المبدأ:
ينسب ظهور هذا المبدأ لأول مرة إلي العهد الأعظم (م 39) الذي منحه الملك " جون " بانجلترا إلي رعاياه عام 2015 م ، ثم اصطحبه معهم المهاجرون الإنجليز إلي أمريكا الشمالية حيث نص عليه في إعلان الحقوق سنة 1773. كما عرف هذا المبدأ في قانون العقوبات النمساوي سنة 1718.
وقبل ذلك بكثير وجد المبدأ مكانته في الشريعة الإسلامية وإن لم يعرفه الفقه الإسلامي بذات التسمية التي ذاع بها في التشريعات الوضعية اللاحقة والمبدأ مستخلص بسهولة من قوله تعالي: " وما كنا معذبين حتي نبعث رسولاً".
ثالثاً: تقييم المبدأ:
لا شك في ارتكاز مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات علي أسس راسخة لا شك أيضاً في تحقيقه مزايا قيمة ، ومع ذلك فغنه لم يسلم من النقد الذي لا ينال من أهميته.
1- أسس المبدأ ومزاياه:-
أ- من الناحية السياسية:
أن تشكل الشرعية الجنائية شقاً من الشرعية بوجه عام أي خضوع الدولة ، سلطات وأفراد ، لحكم القانون. فالقانون هو الأداة التي تحدد الجرائم والعقوبات وما يترتب عليها من علاقات بين السلطة والمتهم دون تعسف أو تحكم يعصف بالحريات العامة.
ب- من حيث العدالة:
تفترض إدانة المتهم وعقابه اتجاه إرادته إلي مخالفة القانون ، يستوي في ذلك أن يقصد بسلوكه تحقيق نتيجة ضارة أم لا. فاقتضاء حق الدولة في العقاب يفترض عدالة إمكانية العلم المسبق بما يعتبر جرائم والعقوبات المقررة لها. ولا شك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو الكفيل بتحقيق إمكانية هذا العلم من خلال إصدار القانون ونشره قبل العمل به.
جـ- من حيث تحقيق الردع العام:
أحد أهم أغراض العقوبة في الفكر التقليدي والحديث أيضاً هو تحقيق الردع العام ، أي تهديد المجرمين المحتملين بسوء عاقبة سلوك طريق الجريمة ولا يمكن تحقيق هذا الغرض إلا بالنص المسبق علي الجرائم والعقوبات المقررة لها كل علي حده.
نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان:-
يثار التساؤل حول تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان. وللإجابة علي هذا التساؤل سوف نتناول الفروض الثلاثة الآتية:
الفرض الأول: تجريم سلوك كان مشروعا جنائياً
يعتبر هذا الفرض نتيجة لتطبيق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) فلابد من أن يحدد المشرع أولا السلوك المجرم والعقوبة المقررة ثم ينشر في الجريدة الرسمية ويصبح نفاذا في حق الأفراد. فإصدار شيك بدون رصيد لم يكن سلوكا مجرما إلا بعد صدور القانون الذي يجرم هذا السلوك ويعتبره جريمة ويحدد له عقوبة.
الفرض الثاني: إباحة سلوك كان من قبل مجرما
ينطبق هذا الفرض علي ما يسمي بأسباب الإباحة، فعلى الرغم من أن القتل جريمة وله عقوبة حددها القانون إلا أن الشخص إذا ارتكب جريمة القتل دفاعا عن النفس فإنه هذا السلوك لا يعتبر جريمة. وأيضا الأب الذي يقوم بضرب ابنه فلا يعتبر مرتكبا لجريمة ضرب وذلك لأنه يقوم بتأديب الابن.
الفرض الثالث: تعديل قواعد القانون الجنائي
الأصل : عدم رجعية القانون الجنائي أي سريان القانون الجنائي بأثر فوري ومباشر. ويقصد بذلك أن القانون الجنائي لا يسري علي الأفعال التي ارتكبت قبل صدوره.
الاستثناء: تطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي إذا كان أصلح للمتهم
يمكن سريان القانون الجنائي بأثر رجعي إذا كان أصلحا للمتهم فمتي يكون القانون الجديد أصلح للمتهم؟ إذا توافرت أربعة شروط : 1- أن يكون القانون الجديد أصلح للمتهم وهو يكون كذلك إذا قرر للمتهم عقوبة أخف عن العقوبة المقررة أصلا. 2- أن يصدر القانون الأصلح قبل الحكم النهائي.3- ألا يكون القانون الجديد محدد المدة (لأنه لو استفاد المتهم هنا فسوف يضيع الغرض المقصود من القانون) . 4- أن يكون القانون نافذا.
يكون القانون أصلح للمتهم في الحالات الآتية:
الجنحة أصلح للمتهم من حيث التكييف من الجناية والمخالفة أصلح له من الجنحة
العقوبة الأدنى في سلم العقوبات أصلح للمتهم من العقوبة الأعلى.
إذا كانت العقوبة سالبة للحرية فالعبرة بالمدة الأقصر وإذا كان العقوبة الغرامة فالعبرة هي بالمبلغ الأقل.
وقف تنفيذ العقوبة أصلح للمتهم من تنفيذها.
تخيير القاضي بين عقوبتين أصلح من أن تكون العقوبة وجوبية.
قضية تطبيق علي سريان القانون الجنائي من حيث الزمان
ارتكب (أ) جريمة سرقة أموال ومنقولات مملوكة للدولة وكان ذلك في ظل القانون رقم 35 سنة 1972 الذي قرر للسرقات الواقعة على مال مملوك للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن. في حين يعاقب المشرع على السرقة بوجه عام بعقوبة الحبس الذي لا تتجاوز أقصى مدته سنتين. تم القبض على (أ) وقدم للمحاكمة ، وقبل الحكم عليه نهائيا صدر القانون رقم 63 سنة 1975 ملغيا للقانون رقم 35 سنة 1972 السابق، وبذلك أصبحت عقوبة الحبس هي العقوبة المقررة قانونا للجريمة التي قارفها(أ).
وضح ما يلي مدعما إجاباتك بالأسانيد القانونية :
أولا : ما هو الوصف القانوني للجريمة التي ارتكبها أ بالنظر إلى جسامتها ، وذلك في ظل القانونين رقمي 35 سنة 1972 و63 سنة 1975 .
ثانيا :أي القانونين المشار إليهما يكون لزاما علي القاضي إعماله في واقعة الدعوى المطروحة.
ثالثا: هل يختلف رأيك السابق لو كان القانون رقم 63 سنة 1975 لم يلغ القانون رقم 35 وإنما عدل فقط من عقوبته وجعلها الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات
المطلب الأول
ماهية قانون العقوبات
أولاً: تعريفه وتسمياته:
يعرف قانون العقوبات بأنه مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لها. فبيان الجرائم والعقوبات يخضع لمبدأ الشرعية يعني أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون.
الباب الأول
تعريف الجريمة وهيكلها وأنواعها
الفصل الأول
تعريف الجريمة
يتنازع تعريف الجريمة مفهومان ، أحدهما ذو طابع اجتماعي والآخر قانوني.
المبحث الأول
المفهوم الاجتماعي للجريمة
يحمي قانون العقوبات المصالح الأساسية للمجتمع بتجريم الأفعال الضارة بها أو المهددة إياها بالخطر. فكل فعل ضار أو مهدد لهذه المصالح يجدر بالمشرع أن يجرمه ويقرر له عقوبة. وهذا المفهوم الاجتماعي للجريمة هو الذي يهم علماء الاجتماع القانوني كما أنه محل اهتمام علماء الإجراء عند تصديهم لمفهوم الجريمة التي يهتم هذا العلم بتحليلها وبيان أسبابها.
المبحث الثاني
التعريف القانوني للجريمة
المطلب الأول
الخلاف الفقهي حول تعريف الجريمة
رغم اتفاق الفقه علي أن تعريف الجريمة كواقعة قانونية يستمد مضمونه من النصوص ، فإنه لم يتفق علي مضمون هذا التعريف في محاولة لجعله جامعاً مانعاً. فثمة اتجاه شكلي يعرف الجريمة ، كواقعة قانونية ، من خلال الأثر القانوني المترتب عليها وهي العقوبة. فتكون الجريمة بالتالي " كل فعل يقرر له القانون عقوبة ". ويؤخذ علي هذا التعريف إهماله لمضمون الفعل المشكل للجريمة كما أنه يقصر عن بيان ركن الإنتاب في الجريمة باعتبارها ليست مجرد كيان مادي ، بل يجب لتكتمل أركانها أن يقترن السلوك فيها بإرادة مذنبة تربطه بمرتكبها وفي ضوء هذا التصحيح تعرف الجريمة بأنها " فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبير احترازياً. كما ركز بعض الفقه علي المصلحة المحمية جنائياً باعتبارها هدف تجريم الفعل الذي يمثل اعتداء عليها ، وعرف الجريمة بالتالي بأنها " الواقعة التي ترتكب إضراراً بمصلحة حماها المشرع في قانون العقوبات ورتب عليها أثراً جنائياً متمثلاً في العقوبة ".
المطلب الثاني
تمييز الجريمة عن الأعمال الأخري غير المشروعة
أولاً: التمييز بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية:
ترتكز أوجه الاختلاف بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية علي أهمية المصلحة المراد حمايتها من كل من الجريمتين ، فالسلوك لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا شكل اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة لها بطبيعة الحال أهمية تجاوز المصالح الخاصة التي تمثل الجريمة المدنية اعتداء عليها ، ومن هذا الاختلاف الجوهري بين الجريمتين تنساب أوجه التمييز بينهما علي النحو التالي:
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
فالفعل لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا خضع لنص تجريم خاص به ، أما الجريمة المدنية فيكتسب وصفها طبقاً للمادة 163 مدني ، كل خطأ سبب ضرراً للغير.
2- من حيث الجزاء:-
الجزاء هو النتيجة القانونية التي تترتب علي الجريمتين الجنائية والمدنية ولكن هذا الجزاء يختلف في طبيعته وأغراضه بحسب نوع الجريمة. فجزاء الجريمة الجنائية هو العقوبة أو التدبير الاحترازي ، ويستهدف عدة أغراض هي الردع العام والردع الخاص والتأهيل. فبينما الجزاء في الجريمة المدنية هو التعويض العيني أو النقدي ويستهدف إعادة التوازن بين الذمم المالية بعدما أصابه الخلل بسبب الجريمة المدنية.
3- من حيث الأركان:
رغم اشتراك الجريمتين في ضرورة توافر سلوك مادي سواء في صورة فعل إيجابي أو امتناع ، إلا أن الضرر يشكل ركناً لا غني غنه في الجريمة المدنية وعلي أساسه يقدر التعويض المالي ، بينما لا يشكل الضرر ركناً في الجريمة الجنائية كما هو الحال في الجرائم التي تقف عند حد الشروع ، أي دون أن تتحقق نتيجتها الإجرامية.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
تنشأ عن الجريمة الجنائية " دعوي جنائية " يملكها المجتمع وتمارسها نيابة عنه النيابة العامة للمطالبة بحقه في توقيع العقوبة أو التدبير الاحترازي وتختص بنظرها المحاكم الجنائية. أما الجريمة المدنية فتنشا عنها " دعوي مدنية " تستهدف تقرير تعويض عن الضرر الذي سببه الخطأ. والأصل أن تفصل في هذه الدعوي المحاكم المدنية بناء علي طلب المتضرر طبقاً لإجراءات تكفل حيدة الفصل في النزاع.
وقد يشكل ذات السلوك جريمة جنائية وجريمة مدنية في آن واحد ، ويستوجب بالتالي توقيع عقوبة والحكم بتعويض. وعندئذ يجوز رفع الدعوي المدنية استثناء أمام القضاء الجنائي تبعاً للدعوي الجنائية.
ماهية قانون العقوبات
أولاً: تعريفه وتسمياته:
يعرف قانون العقوبات بأنه مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لها. فبيان الجرائم والعقوبات يخضع لمبدأ الشرعية يعني أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون.
الباب الأول
تعريف الجريمة وهيكلها وأنواعها
الفصل الأول
تعريف الجريمة
يتنازع تعريف الجريمة مفهومان ، أحدهما ذو طابع اجتماعي والآخر قانوني.
المبحث الأول
المفهوم الاجتماعي للجريمة
يحمي قانون العقوبات المصالح الأساسية للمجتمع بتجريم الأفعال الضارة بها أو المهددة إياها بالخطر. فكل فعل ضار أو مهدد لهذه المصالح يجدر بالمشرع أن يجرمه ويقرر له عقوبة. وهذا المفهوم الاجتماعي للجريمة هو الذي يهم علماء الاجتماع القانوني كما أنه محل اهتمام علماء الإجراء عند تصديهم لمفهوم الجريمة التي يهتم هذا العلم بتحليلها وبيان أسبابها.
المبحث الثاني
التعريف القانوني للجريمة
المطلب الأول
الخلاف الفقهي حول تعريف الجريمة
رغم اتفاق الفقه علي أن تعريف الجريمة كواقعة قانونية يستمد مضمونه من النصوص ، فإنه لم يتفق علي مضمون هذا التعريف في محاولة لجعله جامعاً مانعاً. فثمة اتجاه شكلي يعرف الجريمة ، كواقعة قانونية ، من خلال الأثر القانوني المترتب عليها وهي العقوبة. فتكون الجريمة بالتالي " كل فعل يقرر له القانون عقوبة ". ويؤخذ علي هذا التعريف إهماله لمضمون الفعل المشكل للجريمة كما أنه يقصر عن بيان ركن الإنتاب في الجريمة باعتبارها ليست مجرد كيان مادي ، بل يجب لتكتمل أركانها أن يقترن السلوك فيها بإرادة مذنبة تربطه بمرتكبها وفي ضوء هذا التصحيح تعرف الجريمة بأنها " فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبير احترازياً. كما ركز بعض الفقه علي المصلحة المحمية جنائياً باعتبارها هدف تجريم الفعل الذي يمثل اعتداء عليها ، وعرف الجريمة بالتالي بأنها " الواقعة التي ترتكب إضراراً بمصلحة حماها المشرع في قانون العقوبات ورتب عليها أثراً جنائياً متمثلاً في العقوبة ".
المطلب الثاني
تمييز الجريمة عن الأعمال الأخري غير المشروعة
أولاً: التمييز بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية:
ترتكز أوجه الاختلاف بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية علي أهمية المصلحة المراد حمايتها من كل من الجريمتين ، فالسلوك لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا شكل اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة لها بطبيعة الحال أهمية تجاوز المصالح الخاصة التي تمثل الجريمة المدنية اعتداء عليها ، ومن هذا الاختلاف الجوهري بين الجريمتين تنساب أوجه التمييز بينهما علي النحو التالي:
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
فالفعل لا يشكل جريمة جنائية إلا إذا خضع لنص تجريم خاص به ، أما الجريمة المدنية فيكتسب وصفها طبقاً للمادة 163 مدني ، كل خطأ سبب ضرراً للغير.
2- من حيث الجزاء:-
الجزاء هو النتيجة القانونية التي تترتب علي الجريمتين الجنائية والمدنية ولكن هذا الجزاء يختلف في طبيعته وأغراضه بحسب نوع الجريمة. فجزاء الجريمة الجنائية هو العقوبة أو التدبير الاحترازي ، ويستهدف عدة أغراض هي الردع العام والردع الخاص والتأهيل. فبينما الجزاء في الجريمة المدنية هو التعويض العيني أو النقدي ويستهدف إعادة التوازن بين الذمم المالية بعدما أصابه الخلل بسبب الجريمة المدنية.
3- من حيث الأركان:
رغم اشتراك الجريمتين في ضرورة توافر سلوك مادي سواء في صورة فعل إيجابي أو امتناع ، إلا أن الضرر يشكل ركناً لا غني غنه في الجريمة المدنية وعلي أساسه يقدر التعويض المالي ، بينما لا يشكل الضرر ركناً في الجريمة الجنائية كما هو الحال في الجرائم التي تقف عند حد الشروع ، أي دون أن تتحقق نتيجتها الإجرامية.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
تنشأ عن الجريمة الجنائية " دعوي جنائية " يملكها المجتمع وتمارسها نيابة عنه النيابة العامة للمطالبة بحقه في توقيع العقوبة أو التدبير الاحترازي وتختص بنظرها المحاكم الجنائية. أما الجريمة المدنية فتنشا عنها " دعوي مدنية " تستهدف تقرير تعويض عن الضرر الذي سببه الخطأ. والأصل أن تفصل في هذه الدعوي المحاكم المدنية بناء علي طلب المتضرر طبقاً لإجراءات تكفل حيدة الفصل في النزاع.
وقد يشكل ذات السلوك جريمة جنائية وجريمة مدنية في آن واحد ، ويستوجب بالتالي توقيع عقوبة والحكم بتعويض. وعندئذ يجوز رفع الدعوي المدنية استثناء أمام القضاء الجنائي تبعاً للدعوي الجنائية.
ثانياً: التمييز بين الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية:
تمثل الجريمة الجنائية اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة ولو وقعت علي أحد الأفراد. أما الجريمة التأديبية فترتكب ضد مصلحة تخص هيئة معينة ، إخلالاً بنظامها والواجبات الملقاة علي أعضائها ، مثال ذلك الموظفون العموميون ، أعضاء النقابات والجمعيات.
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
يكتسب الفعل عدم المشروعية الجنائية من نص مستقل خاص به تطبيقاً لمبدأ الشرعية ، بينما يكفي لإضفاء عدم المشروعية التأديبية علي الفعل أن يشكل إخلالاً بأي من الواجبات التي يقتضيها حسن سير الهيئة التي ينتمي إليها المخالف ، وبالتالي فإن الأفعال المشكلة لجرائم تأديبية ليست واردة علي سبيل الحصر ، وتتمتع السلطة الإدارية بسلطة تقديرية في تحديدها.
2- من حيث الجزاء:-
جزاء الجريمة التأديبية أقل قسوة من جزاء الجريمة الجنائية نظراً لتفاوت الجسامة بين الجريمتين. ثم أنهما يختلفان غالباً في الطبيعة ، إذ يطغي علي الجزاء التأديبي الطابع المهني المرتبط بالهيئة التي تم الاعتداء علي نظامها. مثال ذلك جزاء الإنذار ، الوقف عن العمل بالهيئة ، الحرمان من بعض الميزات المرتبطة بالعضوية كالراتب أو أي من المزايا الأخري ، وقد يصل الجزاء إلي الفصل ، عكس الجريمة التأديبية ، تحدد حصراً في القانون مثلها في ذلك مثل العقوبات. كما يخضع كل منهما لمبدأ شخصية الجزاء بحيث لا يوقع أي منهما علي غير مرتكب الجريمة. وأخيراً يشترك كل منهما في بعض الأغراض خاصة الردع العام والردع الخاص.
3- من حيث الأركان:-
يتسم تحديد أركان الجريمة الجنائية بالدقة والتفصيل ، فإذا تخلف ركن أو عنصر انتفت الجريمة أو تحولت إلي جريمة أقل جسامة ، أما أركان الجريمة التأديبية فلا تخضع لذات درجة التحديد والتفصيل ، إذ يكفي أن يصدر عن أحد المخاطبين بنظام الهيئة أو النقابة أو الجمعية عمل أو امتناع يشكل إخلالاً بالواجبات التي يفرضها عليه هذا النظام. ومن هنا فلا مجال للمرض التفصيلي من جانب المشرع التأديبي لجرائم الضرر وجرائم الخطر أو الجريمة التامة.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
مقابل الدعوي الجنائية الناشئة عن الجريمة الجنائية قد تنشأ دعوي تأديبية لتوقيع الجزاء التأديبي. إلا أن نشأة هذه الدعوي الأخيرة ليس لازماً في كل الأحوال فغالباً ما ينيط القانون بالسلطة القائمة علي إدارة الهيئة أو النقابة توقيع الجزاءات التأديبية.
والأصل استقلال الدعوي التأديبية عن الدعوي الجنائية سواء من حيث الجهة المختصة بنظر الدعوي أو الإجراءات المكونة لها أو حجية الحكم الصادر فيها. ومع ذلك يجوز للمحاكم التأديبية وقف الفصل في الدعوي التأديبية إلي حين الفصل نهائياً في الدعوي الجنائية المقامة عن ذات الواقعة أمام المحاكم الجنائية.
تمثل الجريمة الجنائية اعتداء علي مصلحة اجتماعية عامة ولو وقعت علي أحد الأفراد. أما الجريمة التأديبية فترتكب ضد مصلحة تخص هيئة معينة ، إخلالاً بنظامها والواجبات الملقاة علي أعضائها ، مثال ذلك الموظفون العموميون ، أعضاء النقابات والجمعيات.
1- من حيث مصدر عدم المشروعية:
يكتسب الفعل عدم المشروعية الجنائية من نص مستقل خاص به تطبيقاً لمبدأ الشرعية ، بينما يكفي لإضفاء عدم المشروعية التأديبية علي الفعل أن يشكل إخلالاً بأي من الواجبات التي يقتضيها حسن سير الهيئة التي ينتمي إليها المخالف ، وبالتالي فإن الأفعال المشكلة لجرائم تأديبية ليست واردة علي سبيل الحصر ، وتتمتع السلطة الإدارية بسلطة تقديرية في تحديدها.
2- من حيث الجزاء:-
جزاء الجريمة التأديبية أقل قسوة من جزاء الجريمة الجنائية نظراً لتفاوت الجسامة بين الجريمتين. ثم أنهما يختلفان غالباً في الطبيعة ، إذ يطغي علي الجزاء التأديبي الطابع المهني المرتبط بالهيئة التي تم الاعتداء علي نظامها. مثال ذلك جزاء الإنذار ، الوقف عن العمل بالهيئة ، الحرمان من بعض الميزات المرتبطة بالعضوية كالراتب أو أي من المزايا الأخري ، وقد يصل الجزاء إلي الفصل ، عكس الجريمة التأديبية ، تحدد حصراً في القانون مثلها في ذلك مثل العقوبات. كما يخضع كل منهما لمبدأ شخصية الجزاء بحيث لا يوقع أي منهما علي غير مرتكب الجريمة. وأخيراً يشترك كل منهما في بعض الأغراض خاصة الردع العام والردع الخاص.
3- من حيث الأركان:-
يتسم تحديد أركان الجريمة الجنائية بالدقة والتفصيل ، فإذا تخلف ركن أو عنصر انتفت الجريمة أو تحولت إلي جريمة أقل جسامة ، أما أركان الجريمة التأديبية فلا تخضع لذات درجة التحديد والتفصيل ، إذ يكفي أن يصدر عن أحد المخاطبين بنظام الهيئة أو النقابة أو الجمعية عمل أو امتناع يشكل إخلالاً بالواجبات التي يفرضها عليه هذا النظام. ومن هنا فلا مجال للمرض التفصيلي من جانب المشرع التأديبي لجرائم الضرر وجرائم الخطر أو الجريمة التامة.
4- من حيث الدعوي الناشئة عن كل منهما:
مقابل الدعوي الجنائية الناشئة عن الجريمة الجنائية قد تنشأ دعوي تأديبية لتوقيع الجزاء التأديبي. إلا أن نشأة هذه الدعوي الأخيرة ليس لازماً في كل الأحوال فغالباً ما ينيط القانون بالسلطة القائمة علي إدارة الهيئة أو النقابة توقيع الجزاءات التأديبية.
والأصل استقلال الدعوي التأديبية عن الدعوي الجنائية سواء من حيث الجهة المختصة بنظر الدعوي أو الإجراءات المكونة لها أو حجية الحكم الصادر فيها. ومع ذلك يجوز للمحاكم التأديبية وقف الفصل في الدعوي التأديبية إلي حين الفصل نهائياً في الدعوي الجنائية المقامة عن ذات الواقعة أمام المحاكم الجنائية.
الفصل الثاني
الهيكل القانوني للجريمة وأنواعها
المبحث الأول
الهيكل القانوني للجريمة
المطلب الأول
أركان الجريمة وشروطها المفترضة
أولاً: التمييز بين الأركان العامة والأركان الخاصة للجريمة:-
1- الأركان العامة للجريمة:
الأركان العامة للجريمة هي القاسم المشترك بين كل الجرائم التي لا تقوم بدون توافرها. وقد ذهب الفقه التقليدي إلي ارتكاز الجريمة علي ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي ، أما الفقه الحديث فيضيف إلي هذين الركنين الركن الشرعي.
أ) الركن المادي:-
يتكون الركن المادي للجريمة من مظاهرها الخارجية القابلة للإدراك ويتشكل هذا الركن من عناصر ثلاثة. أولهما هو السلوك الصادر عن مرتكب الجريمة. وقد يكون هذا السلوك في صورة فعل إيجابي ، كإطلاق الرصاص أو التلفظ بالقذف أو السب ، قد يتخذ صورة الامتناع عن فعل أمر به المشرع ، كامتناع الأم عن إرضاع وليدها أو امتناع الممرضة عن تقديم الدواء للمريض أو امتناع القاضي عن الحكم في الدعوي المرفوعة إليه أو الامتناع عن دفع الضريبة المستحقة. أما العنصر الثاني في الركن المادي فهو النتيجة الإجرامية وتتمثل في الضرر الذي ينزله السلوك والمصلحة التي أراد المشرع حمايتها جنائياً كحدوث الوفاة اعتداء علي الحياة أو إصابة الجسد اعتداء علي سلامته ، أو المساس بالشرف والاعتبار ، وقد يقف الركن المادي عند حد السلوك ولا تتحقق النتيجة الإجرامية وهو ما يسمي بالشروع ، ويعاقب عليه المشرع في الجنايات والجنح " أما العنصر الثالث للركن المادي فهو علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة. ذلك أن مرتكب السلوك لا يسأل عن النتيجة الإجرامية التي أصابت الحق أو المصلحة المحمية جنائياً ما لم يكن ذلك السلوك هو سبب هذه النتيجة.
ب- الركن المعنوي:
لا يكفي لتوافر المسئولية عن الجريمة واستحقاق عقوبتها أن يصدر عن الشخص فعل أو امتناع يجرمه القانون أو يعاقب عليه ، إذ ذلك مجرد " إسناد مادي للجريمة لا يكفي لقيام المسئولية الجنائية ، إنما يجب أن يتوافر بجانبه الركن المعنوي أو ما يسمي " بالإسناد المعنوي " ، ويعني ضرورة توافر علاقة نفسية بين مرتكب السلوك والسلوك وما أدي إليه من نتيجة إجرامية. فالعقوبة لا تستحق لمجرد توافر الإسناد المادي وإنما يجب أن يثبت الخطأ في جانب مرتكب السلوك. وهذا الخطأ بالمعني الواسع للكلمة يرتكز علي عنصرين: أولهما هو الأهلية الجنائية أي أن يكون مرتكب السلوك أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية. أما العنصر الثاني في الركن المعنوي فيكون إذناب الإرادة ، وتتخذ إحدي صورتين: أولاهما هي " القصد الجنائي " ويتوافر باتجاه الإرادة إلي السلوك وإلي نتيجة الإجرامية ، كمن يطلق النار قاصداً إزهاق الروح. في هذه الصورة توصف الجريمة. من حيث ركنها المعوي – بأنها " عمدية ". أما الصورة الثانية لإذناب الإرادة " فتسمي بالخطأ غير العمدي ، وتفترض اتجاه الإرادة إلي ارتكاب السلوك دون النتيجة الإجرامية ومع ذلك يسأل المتهم لأن سلوكه مشوب بالخطأ.
جـ- الركن الشرعي:
أما الفقه الحديث فالراجح فيه إضافة ركن ثالث كي تتوافر الجريمة هو الركن الشرعي. ويذهب اتجاه قوي إلي أن جوهر هذا الركن هو " الصفة غير المشروعة " للفعل والتي تستمد من انطباق نص التجريم ، أو ما يعرف " بالنموذج القانوني للجريمة " علي الركنين المادي والمعنوي. ذلك أن ارتكاب سلوك ضار بمصلحة اجتماعية عامة لا ينشئ بذاته جريمة إذا لم يخضع هذا السلوك لنص يجرمه من قبل المشرع. فهذه الصفة غير المشروعة للفعل تشكل إذن ركناً لا غني عنه كي يكتسب الفعل وصف الجريمة.
لا جريمة دون نص يضفي علي ركنيها المادي والمعنوي صفة عدم المشروعية الجنائية.
فإن لكل جريمة ذاتيتها من حيث مضمون أركانها. فالركن المادي في القتل يقوم علي سلوك سبب وفاة المجني عليه وقد تتجه إرادة الفاعل إلي تحقيق هذه النتيجة الإجرامية ليكون القتل عمداً ، وقد لا يريدها بسلوكه الخاطئ فيكون القتل غير عمدي. والركن المادي في السرقة يقوم علي الاختلاس ، بينما يتوافر في النصب بالاستيلاء لي المال باستخدام وسائل احتيالية. وهكذا يلاحظ أن الأركان الخاصة بكل جريمة ليست سوي تطبيقاً للأركان العامة للجريمة.
ثانياً: الشرط المفترض:
يتميز الشرط المفترض لارتكاب الجريمة بأنه لا يدخل في تكوين ركنها المادي ولا ركنها المعنوي ، وإنما هو عنصر محل حماية جنائية سابق في وجوده أو معاصر لارتكاب الجريمة ولا تقوم بدونه. مثال ذلك افتراض حياة الإنسان المجني عليه في جريمة القتل عند ارتكابها ، وكذلك ملكية المال المسروق لغير سارقة.
المطلب الثاني
ظروف الجريمة
قد يحيط ارتكاب الجريمة ظروف تؤثر في درجة جسامتها سواء بزيادتها أو بنقصانها. وبعض من هذه الظروف يتصل بأحد ركني الجريمة فيلحق به دون أن يندمج فيه. والبعض الآخر لا علاقة له بأركان الجريمة ويقف أثره عند تشديد العقوبة أو تخفيفها.
والأصل أن المشرع هو الذي يتولي تحديد هذه الظروف المشددة أو المخففة أو المعفية من العقوبة ولكنه لا يستطيع الإحاطة بكافة الظروف الواقعية التي تخفف من جسامة الجريمة وبالتالي من عقوبتها. لذلك يترك أمر استخلاص هذه الظروف للقاضي في كل حالة علي حده.
الهيكل القانوني للجريمة وأنواعها
المبحث الأول
الهيكل القانوني للجريمة
المطلب الأول
أركان الجريمة وشروطها المفترضة
أولاً: التمييز بين الأركان العامة والأركان الخاصة للجريمة:-
1- الأركان العامة للجريمة:
الأركان العامة للجريمة هي القاسم المشترك بين كل الجرائم التي لا تقوم بدون توافرها. وقد ذهب الفقه التقليدي إلي ارتكاز الجريمة علي ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي ، أما الفقه الحديث فيضيف إلي هذين الركنين الركن الشرعي.
أ) الركن المادي:-
يتكون الركن المادي للجريمة من مظاهرها الخارجية القابلة للإدراك ويتشكل هذا الركن من عناصر ثلاثة. أولهما هو السلوك الصادر عن مرتكب الجريمة. وقد يكون هذا السلوك في صورة فعل إيجابي ، كإطلاق الرصاص أو التلفظ بالقذف أو السب ، قد يتخذ صورة الامتناع عن فعل أمر به المشرع ، كامتناع الأم عن إرضاع وليدها أو امتناع الممرضة عن تقديم الدواء للمريض أو امتناع القاضي عن الحكم في الدعوي المرفوعة إليه أو الامتناع عن دفع الضريبة المستحقة. أما العنصر الثاني في الركن المادي فهو النتيجة الإجرامية وتتمثل في الضرر الذي ينزله السلوك والمصلحة التي أراد المشرع حمايتها جنائياً كحدوث الوفاة اعتداء علي الحياة أو إصابة الجسد اعتداء علي سلامته ، أو المساس بالشرف والاعتبار ، وقد يقف الركن المادي عند حد السلوك ولا تتحقق النتيجة الإجرامية وهو ما يسمي بالشروع ، ويعاقب عليه المشرع في الجنايات والجنح " أما العنصر الثالث للركن المادي فهو علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة. ذلك أن مرتكب السلوك لا يسأل عن النتيجة الإجرامية التي أصابت الحق أو المصلحة المحمية جنائياً ما لم يكن ذلك السلوك هو سبب هذه النتيجة.
ب- الركن المعنوي:
لا يكفي لتوافر المسئولية عن الجريمة واستحقاق عقوبتها أن يصدر عن الشخص فعل أو امتناع يجرمه القانون أو يعاقب عليه ، إذ ذلك مجرد " إسناد مادي للجريمة لا يكفي لقيام المسئولية الجنائية ، إنما يجب أن يتوافر بجانبه الركن المعنوي أو ما يسمي " بالإسناد المعنوي " ، ويعني ضرورة توافر علاقة نفسية بين مرتكب السلوك والسلوك وما أدي إليه من نتيجة إجرامية. فالعقوبة لا تستحق لمجرد توافر الإسناد المادي وإنما يجب أن يثبت الخطأ في جانب مرتكب السلوك. وهذا الخطأ بالمعني الواسع للكلمة يرتكز علي عنصرين: أولهما هو الأهلية الجنائية أي أن يكون مرتكب السلوك أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية. أما العنصر الثاني في الركن المعنوي فيكون إذناب الإرادة ، وتتخذ إحدي صورتين: أولاهما هي " القصد الجنائي " ويتوافر باتجاه الإرادة إلي السلوك وإلي نتيجة الإجرامية ، كمن يطلق النار قاصداً إزهاق الروح. في هذه الصورة توصف الجريمة. من حيث ركنها المعوي – بأنها " عمدية ". أما الصورة الثانية لإذناب الإرادة " فتسمي بالخطأ غير العمدي ، وتفترض اتجاه الإرادة إلي ارتكاب السلوك دون النتيجة الإجرامية ومع ذلك يسأل المتهم لأن سلوكه مشوب بالخطأ.
جـ- الركن الشرعي:
أما الفقه الحديث فالراجح فيه إضافة ركن ثالث كي تتوافر الجريمة هو الركن الشرعي. ويذهب اتجاه قوي إلي أن جوهر هذا الركن هو " الصفة غير المشروعة " للفعل والتي تستمد من انطباق نص التجريم ، أو ما يعرف " بالنموذج القانوني للجريمة " علي الركنين المادي والمعنوي. ذلك أن ارتكاب سلوك ضار بمصلحة اجتماعية عامة لا ينشئ بذاته جريمة إذا لم يخضع هذا السلوك لنص يجرمه من قبل المشرع. فهذه الصفة غير المشروعة للفعل تشكل إذن ركناً لا غني عنه كي يكتسب الفعل وصف الجريمة.
لا جريمة دون نص يضفي علي ركنيها المادي والمعنوي صفة عدم المشروعية الجنائية.
فإن لكل جريمة ذاتيتها من حيث مضمون أركانها. فالركن المادي في القتل يقوم علي سلوك سبب وفاة المجني عليه وقد تتجه إرادة الفاعل إلي تحقيق هذه النتيجة الإجرامية ليكون القتل عمداً ، وقد لا يريدها بسلوكه الخاطئ فيكون القتل غير عمدي. والركن المادي في السرقة يقوم علي الاختلاس ، بينما يتوافر في النصب بالاستيلاء لي المال باستخدام وسائل احتيالية. وهكذا يلاحظ أن الأركان الخاصة بكل جريمة ليست سوي تطبيقاً للأركان العامة للجريمة.
ثانياً: الشرط المفترض:
يتميز الشرط المفترض لارتكاب الجريمة بأنه لا يدخل في تكوين ركنها المادي ولا ركنها المعنوي ، وإنما هو عنصر محل حماية جنائية سابق في وجوده أو معاصر لارتكاب الجريمة ولا تقوم بدونه. مثال ذلك افتراض حياة الإنسان المجني عليه في جريمة القتل عند ارتكابها ، وكذلك ملكية المال المسروق لغير سارقة.
المطلب الثاني
ظروف الجريمة
قد يحيط ارتكاب الجريمة ظروف تؤثر في درجة جسامتها سواء بزيادتها أو بنقصانها. وبعض من هذه الظروف يتصل بأحد ركني الجريمة فيلحق به دون أن يندمج فيه. والبعض الآخر لا علاقة له بأركان الجريمة ويقف أثره عند تشديد العقوبة أو تخفيفها.
والأصل أن المشرع هو الذي يتولي تحديد هذه الظروف المشددة أو المخففة أو المعفية من العقوبة ولكنه لا يستطيع الإحاطة بكافة الظروف الواقعية التي تخفف من جسامة الجريمة وبالتالي من عقوبتها. لذلك يترك أمر استخلاص هذه الظروف للقاضي في كل حالة علي حده.
المطلب الثالث
شروط العقاب
قد يتطلب المشرع حدوث واقعة معينة مستقلة عن الركن المادي للجريمة كي توقع العقوبة علي مرتكبيها وهو ما يطلق عليه شروط العقاب أو الشروط الموضوعية للعقاب. ومن الأهمية إذن تمييز هذه الشروط عن أركان الجريمة. فالفرض أن شرط العقاب مستقل عن التكوين القانوني للجريمة ويفترض بالتالي توافر أركانها ثم ينحصر أثر هذا الشرط في توقيع العقاب من عدمه. ويسوق الفقه أمثلة تقليدية لهذا الشرط كالتوقف عن الدفع لتوقيع عقوبة الإفلاس بالتدليس المنصوص عليها بالمادة 328 عقوبات ، والتنبيه بالدفع للعقاب علي جريمة الامتناع عن دفع النفقة المحكوم بها قضاء (م 293 عقوبات) والتلبس بالجريمة كشرط للعقاب علي التواجد في حالة سكر (م 385 عقوبات).
شروط العقاب
قد يتطلب المشرع حدوث واقعة معينة مستقلة عن الركن المادي للجريمة كي توقع العقوبة علي مرتكبيها وهو ما يطلق عليه شروط العقاب أو الشروط الموضوعية للعقاب. ومن الأهمية إذن تمييز هذه الشروط عن أركان الجريمة. فالفرض أن شرط العقاب مستقل عن التكوين القانوني للجريمة ويفترض بالتالي توافر أركانها ثم ينحصر أثر هذا الشرط في توقيع العقاب من عدمه. ويسوق الفقه أمثلة تقليدية لهذا الشرط كالتوقف عن الدفع لتوقيع عقوبة الإفلاس بالتدليس المنصوص عليها بالمادة 328 عقوبات ، والتنبيه بالدفع للعقاب علي جريمة الامتناع عن دفع النفقة المحكوم بها قضاء (م 293 عقوبات) والتلبس بالجريمة كشرط للعقاب علي التواجد في حالة سكر (م 385 عقوبات).
المبحث الثاني
أنواع الجرائم
المطلب الأول
تقسيم الجرائم طبقاً لجسامة العقوبات المقررة
يمثل التقسيم الثلاثي للجرائم إلي جنايات ، جنح ، ومخالفات أهم تقسيمات الجرائم. ويتخذ هذا التقسيم معياراً له نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة.
أولاً: معيار التقسيم الثلاثي:
يستهدف هذا التقسيم علي نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة. فالجنايات هي أكثر الجرائم جسامة وقد ميزها القانون بعقوبات من نوع معين في الإعداد ، الأشغال الشاقة المؤبدة ، الأشغال الشاقة المؤقتة ، والسجن (م 10 عقوبات) أما الجنح فهي جرائم متوسطة الجسامة ويعاقب عليها بالحبس أو الغرامة التي يزيد أقصي مقدارها علي مائة جنيه ، أو بكليهما معاً (م 11 عقوبات) ثم تأتي المخالفات وهي أقل الجرائم جسامة ويعاقب عليها بالغرامة التي لا يزيد أقصي مقدار لها علي مائة جنيه. ولتوضيح هذا التقسيم المعتمد علي معيار العقوبة يلاحظ ما يلي:
1- أن هذا التقسيم يبدأ لدي المشرع بتقييم مدي جسامة الجريمة من حيث أهمية المصلحة ومدي الضرر الذي يصيبها بالاعتداء ومدي خطورته مرتكبيها ثم يقرر لها العقوبة الملائمة لجسامتها من بين العقوبات المقررة قانوناً.
2- أن المشرع قد أفراد للجنايات أنواع معينة من العقوبات تتفق مع جسامتها كما خص الجنح بعقوبة الحبس ، بينما تشكل الغرامة عقوبة لكل من الجنح والمخالفات. وتكون عقوبة جنحة إذا زاد حدها الأقصي عن مائة جنيه ، بينما تكون عقوبة مخالفة إذا لم يزد هذا الحد الأقصي عن مائة جنيه.
3- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بالعقوبة المقررة لها بالنص وليس بالعقوبة التي ينطق بها القاضي فتظل الجريمة جنحة ولو صدر حكم القاضي بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه طالما أن العقوبة التي يقررها النص يجاوز حدها الأقصي مائة جنيه ومع ذلك يعتد بحكم القاضي في تكييف الجريمة تجريداً عن الوصف الذي رفعت به الدعوي. فإذا رفعت النيابة الدعوي علي أساس أن الجريمة جناية ولكن المحكمة ارتأت أنها جنحة فالعبرة هنا بما قررته المحكمة.
4- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم هو بالعقوبة الأصلية تجريداً علي العقوبات التكميلية والتبعية التي تقرر لبعض الجرائم.
ثانياً: أثر الظروف علي تحديد نوع الجريمة:-
أن الظروف التي تحيط ارتكاب جريمة قد تؤثر علي العقوبة المقررة لها أصلاً سواء بالتشديد أو بالتخفيف.
1- أثر الظروف المخففة:-
إذا ترتب علي العذر القانوني أو الظرف القضائي الحكم في الجناية بعقوبة جنحة اتجه رأي إلي تحول الجناية إلي جنحة في هذا الفرض. فالعبرة في نوع الجريمة بالعقوبة التي ينطق بها القاضي طبقاً للقانون ، يستوي في ذلك العذر القانوني والظرف القضائي. ففي حالة العذر القانوني يوجب القانون علي القاضي الحكم بعقوبة جنحة فلا تكون للجريمة سوي عقوبة واحدة هي عقوبة الجنحة هذه وتتحول الجناية بالتالي إلي جنحة. وكذلك الأمر ، فإن الحكم بعقوبة الجنحة كأثر لظرف قضائي يتم طبقاً للقانون الذي أجاز للقاضي استخلاص الظروف المخففة في كل حالة علي حده وإمكانية النزول بعقوبة الجناية إلي عقوبة الجنحة.
2- أثر الظروف المشددة:-
أن الظروف المشددة كلها من تحديد المشرع فلا سلطة للقاضي في استخلاصها ، ولكنها يمكن أن تكون وجوبية أو جوازية. فإذا كان الظرف المشدد وجوبياً التزم القاضي بالتشديد أي بالحكم بعقوبة جناية بدلاً من عقوبة الجنحة المقررة أصلاً للجريمة ، مثال ذلك توافر الإكراه في السرقة. وأجمع الفقه هنا علي أن الجريمة تصبح جناية باعتبار أن المشرع هو المحدد لهذه العقوبة ولا خيار للقاضي في توقيعها.
أما حيث يكون الظرف المشدد جوازياً فإن القاضي يكون بالخيار بين توقيع عقوبة الجنحة أو عقوبة الجناية. وقد اتجه البعض إلي أن الحكم في الجنحة بعقوبة الجناية لا يغير من طبيعة الجنحة ، وسند ذلك أن الظروف المشددة الجوازية تستمد من الظروف الشخصية للمتهم ولا قبل المشرع عند تحديد جسامة الجريمة بهذه الظروف وإنما يحدد هذه الجسامة علي أساس ماديات الجريمة من سلوك ونتيجة.
ثالثاً: تقييم التقسيم الثلاثي للجرائم:-
وقد تمثل النقد الموجه إلي التقسيم الثلاثي فيما يلي:
1- الافتقاد إلي المنطق:
فقد عيب علي هذا التقسيم قيامه علي منطق معكوس ، ذلك أنه يجعل من العقوبة المقررة للجريمة معيارا لدرجة جسامتها ، بينما العكس هو الصحيح فجسامة الجريمة هي التي تحدد شدة عقوبتها. وهذا النقد ظاهر البطلان. فكما سبق أن ذكرنا ، يبدأ العمل التشريعي بتحديد درجة جسامة الجريمة وفي ضوئها تعدد العقوبة المناسبة نوعاً وقدراً. وتصبح هذه العقوبة بعدئذ معياراً واضحاً سهل التطبيق للوقوف علي موقع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم.
2- افتقاد التقسيم إلي المنهج العلمي:
وذلك باعتبار أنه لا يعتمد علي طبيعة الجريمة وإنما علي نتيجتها متمثلة في العقوبة. وهذا النقد ميسور دفعه. فهذا التقسيم القائم علي درجة جسامة الجريمة ، وبالتالي شدة العقوبة المقررة لها ، يعكس الروح الجزائية لقانون العقوبات التقليدي ، وهي الروح التي عادت تسود بقوة بعد أن كانت تتلاشي أمام فكر المدرسة الوضعية.
المطلب الثاني
الطابع السياسي للجريمة
تعود فكرة الجريمة السياسية إلي عهود المجتمعات المنظمات كاعتداء علي النظام السياسي للدولة مختلطاً آئذاك بالسيادة الملكية للحاكم. ورغم قدم الفكرة إلا أنها لم تحظ حتي الآن بتعريف مجمع عليه حيث بتنازعها اتجاهان أولهما هو المعيار الموضوعي وثانيها هو المعيار الشخصي.
أولاً: معيار الجريمة السياسية:
1- المعيار الموضوعي:
يرتكز هذا المعيار علي طبيعة الحق محل الحماية الجنائية. وعلي ذلك تعتبر الجريمة سياسية إذا أصابت حقاً له هذا الطابع. يستوي في ذلك أن يكون الباعث علي ارتكابها سياسياً أم لا. والحق السياسي غالباً ما تكون للدولة ، ومع ذلك قد يكون خاصاً بالأفراد. والحقوق السياسية للدولة هي التي يعترف بها لها كسلطة سياسية. وتشمل هذه السلطة سيادتها علي أرضها وشعبها في مواجهة القوي الخارجية والداخلية. وبالتالي تعتبر جرائم سياسية جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الخارج كالتجسس وكذلك جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الداخل. أما الجرائم التي تمس الدولة كسلطة إدارية ، مثل الرشوة واختلاس الأموال العامة فلا تعتبر جرائم سياسية.
2- المعيار الشخصي:
تعتبر الجريمة سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان باعثها سياسياً ولو أصابت حقاً مجرداً من الصفة السياسية. فاغتيال رئيس دولة أو حزب معارض هو اعتداء علي الحق في الحياة المجرد من الصفة السياسية ، ومع ذلك تعتبر الجريمة هنا سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان الباعث عليها قلب نظام الحكم وكذلك فإن السرقة والتهب اعتداء علي الملكية ، ومع ذلك تكون الجريمة سياسياً إذا قصد بها تمويل نشاط حزب أو تمرد أو ثورة أو حملة انتخابية.
ثانياً: السياسة التشريعية تجاه الجريمة السياسية:-
بديهي أن تلقي الجريمة السياسية معاملة قاسية في عهود الملكيات المستبدة حيث اندمجت سيادة الدولة في السيادة الملكية. إلا أن القرن التاسع عشر قد شهد نوعاً من التعاطف مع مرتكبي الجرائم السياسية علي أساس من نبل باعث المجرم السياسي الذي لا يرجو نفعاً شخصياً من نشاطه وإنما يري فيه خيراً لمجتمعه حسب اعتقاده السياسي.
ولم يحفل المشرع المصري بتقديم بتعريف عام للجريمة السياسية ، كما لم يخصها بنظام جنائي مستقل ، إلا أنه اختصها بتعريف في مناسبة خاصة كما ميزها بقيل من الأحكام الاستثنائية علي النحو التالي:
1- بمناسبة قيام ثورة 23 يوليو 1952 أصدر مجلس قيادة الثورة المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 بالعفو عن الجرائم السياسية التي ارتكبت منذ توقيع معاهدة 1936 وحتي قيام الثورة. وقد نصت المادة الأولي من هذا المرسوم علي أن " يعفي عفواً شاملاً عن الجنايات والجنح والشروع فيها التي ارتكبت لسبب أو لفرض سياسي وتكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد ، وذلك في المدة بين 26 أغسطس 1936 و 22 يوليو 1952. وتأخذ حكم الجريمة السابقة كل جريمة أخري اقترنت بها أو تقدمتها أو تلتها وكان القصد منها التأهب لفعلها أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب او التخلص من العقوبة أو أيوائهم أو إخفاء أدلة الجريمة. ويستخلص من هذا النص الملاحظات الآتية:-
أ- تبني المشرع المعيار الشخصي في تحديده للجريمة السياسية.
ب- استبعد المشرع من تطبيق هذا النص نوعين من الجرائم ولو كانت قد ارتكبت لباعث سياسي. أولهما هي الجرائم المتعلقة بالشئون الخارجية للبلاد كالتجسس أو التعاون مع العدو ، وثاني النوعين هي جنايات القتل العمد ، نظراً لخطورتها وجسامة نتائجها.
جـ- أخضع المشرع لقانون العفو ليس فقط الجريمة السياسية وإنما أيضاً الجريمة المرتب بها المرتكبة بقصد التأهب لارتكاب الجريمة السياسية أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب.
2- في النطاق الإجرائي ميز المشرع جرائم النشر بمعاملة خاصة.
3- أن تسليم اللاجئين السياسيين محظور طبقاً للدستور (م 53/2) يستوي في ذلك أن يكون اللاجئ السياسي قد ارتكب جريمة سياسية أم لا.
4- كان مشروع قانون العقوبات الموحد لسنة 1961 يتبني تعريفاً للجريمة السياسية مزدوج العيار (موضوعي – شخصي) حيث كان ينص علي أن الجرائم السياسية هي الجرائم المقصورة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي وهي كذلك الجرائم الواقعة علي الحقوق العامة والفردية (م 55) إلا أن مشروع قانون العقوبات اللاحق عام 1966 لم يتعرض لهذا التعريف.
المطلب الثالث
الجريمة العسكرية
أولاً: تعريف الجريمة العسكرية:-
يميز الجريمة العسكرية اعتداؤها علي مصلحة عسكرية. وقد أولي المشرع هذه المصلحة رعاية خاصة اقتضت تجريم أفعال لا يجرمها القانون العام ، كما أخذ مرتكبي الجرائم العسكرية بشدة تتناسب مع صراحة النظام العسكري. ويمكن أن يستخلص من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 أن الجريمة العسكرية محكومة بمعيارين أولهما موضوعي ويتضمن أكثر من جانب ، وثانيهما شخصي يعود إلي الصفة العسكرية للجاني أو المجني عليه.
1- المعيار الموضوعي:
وطبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية لمساسها بمصلحة عسكرية أما بسبب مكان ارتكابها أو موضوعها.
أ- الجريمة العسكرية باعتبار مكانها:-
نصت المادة الخامسة من قانون الأحكام العسكرية علي سريان أحكام هذا القانون علي كل مرتكب إحدي الجرائم الآتية:-
أ- " الجرائم التي تقع في المعسكرات أو التكفات أو المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو المركبات أو الأماكن أو المحلات التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المسلحة أينما وجدت " وتكون الجريمة عسكرية طبقاً لهذا النص أياً كانت طبيعتها أو موضوعها أو صفة المجني عليه فيها.
ب- الجريمة العسكرية باعتبار موضوعها:
أشارت الفقرة " ب " إلي هذا الشق من المعيار الموضوعي فذكرت " الجرائم التي تقع علي معدات ومهمات وأسلحة وذخائر وأسرار القوات المسلحة وكافة متعلقاتها " فالجريمة تكون عسكرية إذا كان موضوعها شيئاً من متعلقات القوات المسلحة أياً كان نوع الجريمة أو طبيعتها أو صفة الجاني أو المجني عليه فيها أو مكان ارتكابها.
2- المعيار الشخصي:
طبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية إذا ارتكبت من أو علي أحد الأشخاص الخاضعين لقانون الأحكام العسكرية ، وقد حددتهم المادة الرابعة من هذا القانون. ويشترك لإضفاء الطابع العسكري علي الجريمة طبقاً لهذا المعيار أن ترتكب بسبب أداء أعمال العسكرية.
ثانياً: أنواع الجرائم العسكرية:-
1- الجرائم العسكرية الباحثة أو البسيطة:-
وترتكب هذه الجرائم بالمخالفة لقواعد تمليها مصلحة عسكرية بحته وتتعلق بالانضباط في القوات المسلحة ولا نظير لها في قانون العقوبات العام. مثال ذلك جرائم الخدمة وعدم اللياقة في السلوك.
2- الجرائم العسكرية المختلطة:-
وهي جرائم يعاقب عليها قانون الأحكام العسكرية وكذلك قانون العقوبات العام كأن ترتكب سرقة أو اختلاس أو إتلاف في مكان عسكري أو علي مال له ذات الصفة أو من أحد الخاضعين لهذا القانون بسبب أدائه لوظيفته.
وأهم ما يترتب علي التمييز بين نوعي الجرائم العسكرية ، البحتة والمختلطة ، أن الأولي تخضع فقط للقواعد الموضوعية المنصوص عليها بقانون الأحكام العسكرية ، بينما تخضع الثانية لقواعد هذا القانون الأخير وكذلك قانون العقوبات العام الذي يطبق فيما لم يرد بشأن نص في قانون الأحكام العسكرية. أما من حيث الاختصاص والإجراءات فحيث ينعقد اختصاص للقضاء العسكري يطبق قانون الأحكام العسكرية (الباب الأول) سواء كانت الجريمة العسكرية بحتة أو مختلطة .
ثالثاً: أهمية التمييز بين الجرائم العسكرية وجرائم القانون العام:-
تخلص هذه الأهمية فيما يلي:
1- يختص القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم العسكرية كما ينظر بعض جرائم القانون العام إذا أحيلت إليه بقرار من رئيس الجمهورية علي ما قدمنا.
2- أياً كان سبب اختصاص القضاء العسكري بنظر الجريمة ، تطبق القواعد الإجرائية الواردة بقانون الأحكام العسكرية ولا يطبق قانون الإجراءات الجنائية العام.
3- يطبق القضاء العسكري القواعد الموضوعية الواردة بقانون الأحكام العسكرية علي الجرائم العسكرية ، سواء كانت بحتة أم مختلطة. بينما يطبق قانون العقوبات العام علي الجرائم العادية التي ينعقد الاختصاص بنظرها للقضاء العسكري بناء علي قرار من رئيس الجمهورية.
4- جري العرف الدولي علي حظر تسليم المجرمين العسكريين كما هو الحال بالنسبة للمجرمين السياسيين بينما يجوز هذا التسلي في جرائم القانون العام.
الباب الثاني: الركن الشرعي
أولاً: مضمون الركن الشرعي وأهميته:-
يرتكز الركن الشرعي للجريمة علي عنصرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي: أما العنصر الإيجابي فيتمثل في خضوع الفعل لنص التجريم. وأما العنصر السلبي فيتوافر بعدم خضوعه لسبب إباحة.
أنواع الجرائم
المطلب الأول
تقسيم الجرائم طبقاً لجسامة العقوبات المقررة
يمثل التقسيم الثلاثي للجرائم إلي جنايات ، جنح ، ومخالفات أهم تقسيمات الجرائم. ويتخذ هذا التقسيم معياراً له نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة.
أولاً: معيار التقسيم الثلاثي:
يستهدف هذا التقسيم علي نوع وقدر العقوبة المقررة للجريمة. فالجنايات هي أكثر الجرائم جسامة وقد ميزها القانون بعقوبات من نوع معين في الإعداد ، الأشغال الشاقة المؤبدة ، الأشغال الشاقة المؤقتة ، والسجن (م 10 عقوبات) أما الجنح فهي جرائم متوسطة الجسامة ويعاقب عليها بالحبس أو الغرامة التي يزيد أقصي مقدارها علي مائة جنيه ، أو بكليهما معاً (م 11 عقوبات) ثم تأتي المخالفات وهي أقل الجرائم جسامة ويعاقب عليها بالغرامة التي لا يزيد أقصي مقدار لها علي مائة جنيه. ولتوضيح هذا التقسيم المعتمد علي معيار العقوبة يلاحظ ما يلي:
1- أن هذا التقسيم يبدأ لدي المشرع بتقييم مدي جسامة الجريمة من حيث أهمية المصلحة ومدي الضرر الذي يصيبها بالاعتداء ومدي خطورته مرتكبيها ثم يقرر لها العقوبة الملائمة لجسامتها من بين العقوبات المقررة قانوناً.
2- أن المشرع قد أفراد للجنايات أنواع معينة من العقوبات تتفق مع جسامتها كما خص الجنح بعقوبة الحبس ، بينما تشكل الغرامة عقوبة لكل من الجنح والمخالفات. وتكون عقوبة جنحة إذا زاد حدها الأقصي عن مائة جنيه ، بينما تكون عقوبة مخالفة إذا لم يزد هذا الحد الأقصي عن مائة جنيه.
3- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بالعقوبة المقررة لها بالنص وليس بالعقوبة التي ينطق بها القاضي فتظل الجريمة جنحة ولو صدر حكم القاضي بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه طالما أن العقوبة التي يقررها النص يجاوز حدها الأقصي مائة جنيه ومع ذلك يعتد بحكم القاضي في تكييف الجريمة تجريداً عن الوصف الذي رفعت به الدعوي. فإذا رفعت النيابة الدعوي علي أساس أن الجريمة جناية ولكن المحكمة ارتأت أنها جنحة فالعبرة هنا بما قررته المحكمة.
4- أن العبرة في تحديد نوع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم هو بالعقوبة الأصلية تجريداً علي العقوبات التكميلية والتبعية التي تقرر لبعض الجرائم.
ثانياً: أثر الظروف علي تحديد نوع الجريمة:-
أن الظروف التي تحيط ارتكاب جريمة قد تؤثر علي العقوبة المقررة لها أصلاً سواء بالتشديد أو بالتخفيف.
1- أثر الظروف المخففة:-
إذا ترتب علي العذر القانوني أو الظرف القضائي الحكم في الجناية بعقوبة جنحة اتجه رأي إلي تحول الجناية إلي جنحة في هذا الفرض. فالعبرة في نوع الجريمة بالعقوبة التي ينطق بها القاضي طبقاً للقانون ، يستوي في ذلك العذر القانوني والظرف القضائي. ففي حالة العذر القانوني يوجب القانون علي القاضي الحكم بعقوبة جنحة فلا تكون للجريمة سوي عقوبة واحدة هي عقوبة الجنحة هذه وتتحول الجناية بالتالي إلي جنحة. وكذلك الأمر ، فإن الحكم بعقوبة الجنحة كأثر لظرف قضائي يتم طبقاً للقانون الذي أجاز للقاضي استخلاص الظروف المخففة في كل حالة علي حده وإمكانية النزول بعقوبة الجناية إلي عقوبة الجنحة.
2- أثر الظروف المشددة:-
أن الظروف المشددة كلها من تحديد المشرع فلا سلطة للقاضي في استخلاصها ، ولكنها يمكن أن تكون وجوبية أو جوازية. فإذا كان الظرف المشدد وجوبياً التزم القاضي بالتشديد أي بالحكم بعقوبة جناية بدلاً من عقوبة الجنحة المقررة أصلاً للجريمة ، مثال ذلك توافر الإكراه في السرقة. وأجمع الفقه هنا علي أن الجريمة تصبح جناية باعتبار أن المشرع هو المحدد لهذه العقوبة ولا خيار للقاضي في توقيعها.
أما حيث يكون الظرف المشدد جوازياً فإن القاضي يكون بالخيار بين توقيع عقوبة الجنحة أو عقوبة الجناية. وقد اتجه البعض إلي أن الحكم في الجنحة بعقوبة الجناية لا يغير من طبيعة الجنحة ، وسند ذلك أن الظروف المشددة الجوازية تستمد من الظروف الشخصية للمتهم ولا قبل المشرع عند تحديد جسامة الجريمة بهذه الظروف وإنما يحدد هذه الجسامة علي أساس ماديات الجريمة من سلوك ونتيجة.
ثالثاً: تقييم التقسيم الثلاثي للجرائم:-
وقد تمثل النقد الموجه إلي التقسيم الثلاثي فيما يلي:
1- الافتقاد إلي المنطق:
فقد عيب علي هذا التقسيم قيامه علي منطق معكوس ، ذلك أنه يجعل من العقوبة المقررة للجريمة معيارا لدرجة جسامتها ، بينما العكس هو الصحيح فجسامة الجريمة هي التي تحدد شدة عقوبتها. وهذا النقد ظاهر البطلان. فكما سبق أن ذكرنا ، يبدأ العمل التشريعي بتحديد درجة جسامة الجريمة وفي ضوئها تعدد العقوبة المناسبة نوعاً وقدراً. وتصبح هذه العقوبة بعدئذ معياراً واضحاً سهل التطبيق للوقوف علي موقع الجريمة في التقسيم الثلاثي للجرائم.
2- افتقاد التقسيم إلي المنهج العلمي:
وذلك باعتبار أنه لا يعتمد علي طبيعة الجريمة وإنما علي نتيجتها متمثلة في العقوبة. وهذا النقد ميسور دفعه. فهذا التقسيم القائم علي درجة جسامة الجريمة ، وبالتالي شدة العقوبة المقررة لها ، يعكس الروح الجزائية لقانون العقوبات التقليدي ، وهي الروح التي عادت تسود بقوة بعد أن كانت تتلاشي أمام فكر المدرسة الوضعية.
المطلب الثاني
الطابع السياسي للجريمة
تعود فكرة الجريمة السياسية إلي عهود المجتمعات المنظمات كاعتداء علي النظام السياسي للدولة مختلطاً آئذاك بالسيادة الملكية للحاكم. ورغم قدم الفكرة إلا أنها لم تحظ حتي الآن بتعريف مجمع عليه حيث بتنازعها اتجاهان أولهما هو المعيار الموضوعي وثانيها هو المعيار الشخصي.
أولاً: معيار الجريمة السياسية:
1- المعيار الموضوعي:
يرتكز هذا المعيار علي طبيعة الحق محل الحماية الجنائية. وعلي ذلك تعتبر الجريمة سياسية إذا أصابت حقاً له هذا الطابع. يستوي في ذلك أن يكون الباعث علي ارتكابها سياسياً أم لا. والحق السياسي غالباً ما تكون للدولة ، ومع ذلك قد يكون خاصاً بالأفراد. والحقوق السياسية للدولة هي التي يعترف بها لها كسلطة سياسية. وتشمل هذه السلطة سيادتها علي أرضها وشعبها في مواجهة القوي الخارجية والداخلية. وبالتالي تعتبر جرائم سياسية جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الخارج كالتجسس وكذلك جرائم الاعتداء علي أمن الدولة من جهة الداخل. أما الجرائم التي تمس الدولة كسلطة إدارية ، مثل الرشوة واختلاس الأموال العامة فلا تعتبر جرائم سياسية.
2- المعيار الشخصي:
تعتبر الجريمة سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان باعثها سياسياً ولو أصابت حقاً مجرداً من الصفة السياسية. فاغتيال رئيس دولة أو حزب معارض هو اعتداء علي الحق في الحياة المجرد من الصفة السياسية ، ومع ذلك تعتبر الجريمة هنا سياسية طبقاً لهذا المعيار إذا كان الباعث عليها قلب نظام الحكم وكذلك فإن السرقة والتهب اعتداء علي الملكية ، ومع ذلك تكون الجريمة سياسياً إذا قصد بها تمويل نشاط حزب أو تمرد أو ثورة أو حملة انتخابية.
ثانياً: السياسة التشريعية تجاه الجريمة السياسية:-
بديهي أن تلقي الجريمة السياسية معاملة قاسية في عهود الملكيات المستبدة حيث اندمجت سيادة الدولة في السيادة الملكية. إلا أن القرن التاسع عشر قد شهد نوعاً من التعاطف مع مرتكبي الجرائم السياسية علي أساس من نبل باعث المجرم السياسي الذي لا يرجو نفعاً شخصياً من نشاطه وإنما يري فيه خيراً لمجتمعه حسب اعتقاده السياسي.
ولم يحفل المشرع المصري بتقديم بتعريف عام للجريمة السياسية ، كما لم يخصها بنظام جنائي مستقل ، إلا أنه اختصها بتعريف في مناسبة خاصة كما ميزها بقيل من الأحكام الاستثنائية علي النحو التالي:
1- بمناسبة قيام ثورة 23 يوليو 1952 أصدر مجلس قيادة الثورة المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 بالعفو عن الجرائم السياسية التي ارتكبت منذ توقيع معاهدة 1936 وحتي قيام الثورة. وقد نصت المادة الأولي من هذا المرسوم علي أن " يعفي عفواً شاملاً عن الجنايات والجنح والشروع فيها التي ارتكبت لسبب أو لفرض سياسي وتكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد ، وذلك في المدة بين 26 أغسطس 1936 و 22 يوليو 1952. وتأخذ حكم الجريمة السابقة كل جريمة أخري اقترنت بها أو تقدمتها أو تلتها وكان القصد منها التأهب لفعلها أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب او التخلص من العقوبة أو أيوائهم أو إخفاء أدلة الجريمة. ويستخلص من هذا النص الملاحظات الآتية:-
أ- تبني المشرع المعيار الشخصي في تحديده للجريمة السياسية.
ب- استبعد المشرع من تطبيق هذا النص نوعين من الجرائم ولو كانت قد ارتكبت لباعث سياسي. أولهما هي الجرائم المتعلقة بالشئون الخارجية للبلاد كالتجسس أو التعاون مع العدو ، وثاني النوعين هي جنايات القتل العمد ، نظراً لخطورتها وجسامة نتائجها.
جـ- أخضع المشرع لقانون العفو ليس فقط الجريمة السياسية وإنما أيضاً الجريمة المرتب بها المرتكبة بقصد التأهب لارتكاب الجريمة السياسية أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم علي الهرب.
2- في النطاق الإجرائي ميز المشرع جرائم النشر بمعاملة خاصة.
3- أن تسليم اللاجئين السياسيين محظور طبقاً للدستور (م 53/2) يستوي في ذلك أن يكون اللاجئ السياسي قد ارتكب جريمة سياسية أم لا.
4- كان مشروع قانون العقوبات الموحد لسنة 1961 يتبني تعريفاً للجريمة السياسية مزدوج العيار (موضوعي – شخصي) حيث كان ينص علي أن الجرائم السياسية هي الجرائم المقصورة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي وهي كذلك الجرائم الواقعة علي الحقوق العامة والفردية (م 55) إلا أن مشروع قانون العقوبات اللاحق عام 1966 لم يتعرض لهذا التعريف.
المطلب الثالث
الجريمة العسكرية
أولاً: تعريف الجريمة العسكرية:-
يميز الجريمة العسكرية اعتداؤها علي مصلحة عسكرية. وقد أولي المشرع هذه المصلحة رعاية خاصة اقتضت تجريم أفعال لا يجرمها القانون العام ، كما أخذ مرتكبي الجرائم العسكرية بشدة تتناسب مع صراحة النظام العسكري. ويمكن أن يستخلص من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 أن الجريمة العسكرية محكومة بمعيارين أولهما موضوعي ويتضمن أكثر من جانب ، وثانيهما شخصي يعود إلي الصفة العسكرية للجاني أو المجني عليه.
1- المعيار الموضوعي:
وطبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية لمساسها بمصلحة عسكرية أما بسبب مكان ارتكابها أو موضوعها.
أ- الجريمة العسكرية باعتبار مكانها:-
نصت المادة الخامسة من قانون الأحكام العسكرية علي سريان أحكام هذا القانون علي كل مرتكب إحدي الجرائم الآتية:-
أ- " الجرائم التي تقع في المعسكرات أو التكفات أو المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو المركبات أو الأماكن أو المحلات التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المسلحة أينما وجدت " وتكون الجريمة عسكرية طبقاً لهذا النص أياً كانت طبيعتها أو موضوعها أو صفة المجني عليه فيها.
ب- الجريمة العسكرية باعتبار موضوعها:
أشارت الفقرة " ب " إلي هذا الشق من المعيار الموضوعي فذكرت " الجرائم التي تقع علي معدات ومهمات وأسلحة وذخائر وأسرار القوات المسلحة وكافة متعلقاتها " فالجريمة تكون عسكرية إذا كان موضوعها شيئاً من متعلقات القوات المسلحة أياً كان نوع الجريمة أو طبيعتها أو صفة الجاني أو المجني عليه فيها أو مكان ارتكابها.
2- المعيار الشخصي:
طبقاً لهذا المعيار تكون الجريمة عسكرية إذا ارتكبت من أو علي أحد الأشخاص الخاضعين لقانون الأحكام العسكرية ، وقد حددتهم المادة الرابعة من هذا القانون. ويشترك لإضفاء الطابع العسكري علي الجريمة طبقاً لهذا المعيار أن ترتكب بسبب أداء أعمال العسكرية.
ثانياً: أنواع الجرائم العسكرية:-
1- الجرائم العسكرية الباحثة أو البسيطة:-
وترتكب هذه الجرائم بالمخالفة لقواعد تمليها مصلحة عسكرية بحته وتتعلق بالانضباط في القوات المسلحة ولا نظير لها في قانون العقوبات العام. مثال ذلك جرائم الخدمة وعدم اللياقة في السلوك.
2- الجرائم العسكرية المختلطة:-
وهي جرائم يعاقب عليها قانون الأحكام العسكرية وكذلك قانون العقوبات العام كأن ترتكب سرقة أو اختلاس أو إتلاف في مكان عسكري أو علي مال له ذات الصفة أو من أحد الخاضعين لهذا القانون بسبب أدائه لوظيفته.
وأهم ما يترتب علي التمييز بين نوعي الجرائم العسكرية ، البحتة والمختلطة ، أن الأولي تخضع فقط للقواعد الموضوعية المنصوص عليها بقانون الأحكام العسكرية ، بينما تخضع الثانية لقواعد هذا القانون الأخير وكذلك قانون العقوبات العام الذي يطبق فيما لم يرد بشأن نص في قانون الأحكام العسكرية. أما من حيث الاختصاص والإجراءات فحيث ينعقد اختصاص للقضاء العسكري يطبق قانون الأحكام العسكرية (الباب الأول) سواء كانت الجريمة العسكرية بحتة أو مختلطة .
ثالثاً: أهمية التمييز بين الجرائم العسكرية وجرائم القانون العام:-
تخلص هذه الأهمية فيما يلي:
1- يختص القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم العسكرية كما ينظر بعض جرائم القانون العام إذا أحيلت إليه بقرار من رئيس الجمهورية علي ما قدمنا.
2- أياً كان سبب اختصاص القضاء العسكري بنظر الجريمة ، تطبق القواعد الإجرائية الواردة بقانون الأحكام العسكرية ولا يطبق قانون الإجراءات الجنائية العام.
3- يطبق القضاء العسكري القواعد الموضوعية الواردة بقانون الأحكام العسكرية علي الجرائم العسكرية ، سواء كانت بحتة أم مختلطة. بينما يطبق قانون العقوبات العام علي الجرائم العادية التي ينعقد الاختصاص بنظرها للقضاء العسكري بناء علي قرار من رئيس الجمهورية.
4- جري العرف الدولي علي حظر تسليم المجرمين العسكريين كما هو الحال بالنسبة للمجرمين السياسيين بينما يجوز هذا التسلي في جرائم القانون العام.
الباب الثاني: الركن الشرعي
أولاً: مضمون الركن الشرعي وأهميته:-
يرتكز الركن الشرعي للجريمة علي عنصرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي: أما العنصر الإيجابي فيتمثل في خضوع الفعل لنص التجريم. وأما العنصر السلبي فيتوافر بعدم خضوعه لسبب إباحة.
الفصل الأول
العنصر الإيجابي : نص التجريم
أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون. ومن هذا المبدأ تنساب نتيجة بديهية تتمثل في حصر مصدر التجريم في التشريع. ومن هذا المبدأ أيضاً ينطلق التساؤل عن كيفية تفسير نص القانون علي نحو يحفظ للمبدأ مضمونه وأهدافه.
فإذا كان التشريع هو المصدر الوحيد للتجريم والعقاب. وجب بعدئذ الوقوف علي نطاقه المكاني ، وسلطانه الزمني ، وحدوده الشخصية.
المبحث الأول
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
المطلب الأول
مفهوم مبدأ الشرعية ، تاريخه وتقييمه
أولاً: مفهوم المبدأ:
يعني مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أن المشرع وحده هو المنوط تحديد الأفعال المعتبرة جرائم والعقوبة المقررة لكل منها. ومفاد ذلك أن دور القاضي يقف عند تطبيق التشريع ، فلا يدين شخصاً بجريمة إلا إذا كان الفعل المسند إليه يشكل جريمة طبقاً لنصوص القانون ، ويمتنع عليه ذلك مهما كان الفعل مخالفاً للقيم الاجتماعية ، الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع.
وبهذا المعني يشكل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ترجمة لمبدأ الفصل بين سلطات الدولة حيث تختص السلطة التشريعية بسن القوانين بينما تتولي السلطة القضائية تطبيقها. ومن ناحية أخري ، يشكل مبدأ شرعية الجرائم العقوبات تطبيقاً لمبدأ أعم وأشمل هو مبدأ الشرعية بوجه عام الذي يسود الدرجة المتحضرة ، ويعني خضوع الدولة ، سلطات وأفراد لحكم القانون ، ويسمي أحياناً بمبدأ سيادة القانون.
ثانياً: تاريخ المبدأ:
ينسب ظهور هذا المبدأ لأول مرة إلي العهد الأعظم (م 39) الذي منحه الملك " جون " بانجلترا إلي رعاياه عام 2015 م ، ثم اصطحبه معهم المهاجرون الإنجليز إلي أمريكا الشمالية حيث نص عليه في إعلان الحقوق سنة 1773. كما عرف هذا المبدأ في قانون العقوبات النمساوي سنة 1718.
وقبل ذلك بكثير وجد المبدأ مكانته في الشريعة الإسلامية وإن لم يعرفه الفقه الإسلامي بذات التسمية التي ذاع بها في التشريعات الوضعية اللاحقة والمبدأ مستخلص بسهولة من قوله تعالي: " وما كنا معذبين حتي نبعث رسولاً".
ثالثاً: تقييم المبدأ:
لا شك في ارتكاز مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات علي أسس راسخة لا شك أيضاً في تحقيقه مزايا قيمة ، ومع ذلك فغنه لم يسلم من النقد الذي لا ينال من أهميته.
1- أسس المبدأ ومزاياه:-
أ- من الناحية السياسية:
أن تشكل الشرعية الجنائية شقاً من الشرعية بوجه عام أي خضوع الدولة ، سلطات وأفراد ، لحكم القانون. فالقانون هو الأداة التي تحدد الجرائم والعقوبات وما يترتب عليها من علاقات بين السلطة والمتهم دون تعسف أو تحكم يعصف بالحريات العامة.
ب- من حيث العدالة:
تفترض إدانة المتهم وعقابه اتجاه إرادته إلي مخالفة القانون ، يستوي في ذلك أن يقصد بسلوكه تحقيق نتيجة ضارة أم لا. فاقتضاء حق الدولة في العقاب يفترض عدالة إمكانية العلم المسبق بما يعتبر جرائم والعقوبات المقررة لها. ولا شك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو الكفيل بتحقيق إمكانية هذا العلم من خلال إصدار القانون ونشره قبل العمل به.
جـ- من حيث تحقيق الردع العام:
أحد أهم أغراض العقوبة في الفكر التقليدي والحديث أيضاً هو تحقيق الردع العام ، أي تهديد المجرمين المحتملين بسوء عاقبة سلوك طريق الجريمة ولا يمكن تحقيق هذا الغرض إلا بالنص المسبق علي الجرائم والعقوبات المقررة لها كل علي حده.
العنصر الإيجابي : نص التجريم
أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون. ومن هذا المبدأ تنساب نتيجة بديهية تتمثل في حصر مصدر التجريم في التشريع. ومن هذا المبدأ أيضاً ينطلق التساؤل عن كيفية تفسير نص القانون علي نحو يحفظ للمبدأ مضمونه وأهدافه.
فإذا كان التشريع هو المصدر الوحيد للتجريم والعقاب. وجب بعدئذ الوقوف علي نطاقه المكاني ، وسلطانه الزمني ، وحدوده الشخصية.
المبحث الأول
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
المطلب الأول
مفهوم مبدأ الشرعية ، تاريخه وتقييمه
أولاً: مفهوم المبدأ:
يعني مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أن المشرع وحده هو المنوط تحديد الأفعال المعتبرة جرائم والعقوبة المقررة لكل منها. ومفاد ذلك أن دور القاضي يقف عند تطبيق التشريع ، فلا يدين شخصاً بجريمة إلا إذا كان الفعل المسند إليه يشكل جريمة طبقاً لنصوص القانون ، ويمتنع عليه ذلك مهما كان الفعل مخالفاً للقيم الاجتماعية ، الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع.
وبهذا المعني يشكل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ترجمة لمبدأ الفصل بين سلطات الدولة حيث تختص السلطة التشريعية بسن القوانين بينما تتولي السلطة القضائية تطبيقها. ومن ناحية أخري ، يشكل مبدأ شرعية الجرائم العقوبات تطبيقاً لمبدأ أعم وأشمل هو مبدأ الشرعية بوجه عام الذي يسود الدرجة المتحضرة ، ويعني خضوع الدولة ، سلطات وأفراد لحكم القانون ، ويسمي أحياناً بمبدأ سيادة القانون.
ثانياً: تاريخ المبدأ:
ينسب ظهور هذا المبدأ لأول مرة إلي العهد الأعظم (م 39) الذي منحه الملك " جون " بانجلترا إلي رعاياه عام 2015 م ، ثم اصطحبه معهم المهاجرون الإنجليز إلي أمريكا الشمالية حيث نص عليه في إعلان الحقوق سنة 1773. كما عرف هذا المبدأ في قانون العقوبات النمساوي سنة 1718.
وقبل ذلك بكثير وجد المبدأ مكانته في الشريعة الإسلامية وإن لم يعرفه الفقه الإسلامي بذات التسمية التي ذاع بها في التشريعات الوضعية اللاحقة والمبدأ مستخلص بسهولة من قوله تعالي: " وما كنا معذبين حتي نبعث رسولاً".
ثالثاً: تقييم المبدأ:
لا شك في ارتكاز مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات علي أسس راسخة لا شك أيضاً في تحقيقه مزايا قيمة ، ومع ذلك فغنه لم يسلم من النقد الذي لا ينال من أهميته.
1- أسس المبدأ ومزاياه:-
أ- من الناحية السياسية:
أن تشكل الشرعية الجنائية شقاً من الشرعية بوجه عام أي خضوع الدولة ، سلطات وأفراد ، لحكم القانون. فالقانون هو الأداة التي تحدد الجرائم والعقوبات وما يترتب عليها من علاقات بين السلطة والمتهم دون تعسف أو تحكم يعصف بالحريات العامة.
ب- من حيث العدالة:
تفترض إدانة المتهم وعقابه اتجاه إرادته إلي مخالفة القانون ، يستوي في ذلك أن يقصد بسلوكه تحقيق نتيجة ضارة أم لا. فاقتضاء حق الدولة في العقاب يفترض عدالة إمكانية العلم المسبق بما يعتبر جرائم والعقوبات المقررة لها. ولا شك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو الكفيل بتحقيق إمكانية هذا العلم من خلال إصدار القانون ونشره قبل العمل به.
جـ- من حيث تحقيق الردع العام:
أحد أهم أغراض العقوبة في الفكر التقليدي والحديث أيضاً هو تحقيق الردع العام ، أي تهديد المجرمين المحتملين بسوء عاقبة سلوك طريق الجريمة ولا يمكن تحقيق هذا الغرض إلا بالنص المسبق علي الجرائم والعقوبات المقررة لها كل علي حده.
نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان:-
يثار التساؤل حول تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان. وللإجابة علي هذا التساؤل سوف نتناول الفروض الثلاثة الآتية:
الفرض الأول: تجريم سلوك كان مشروعا جنائياً
يعتبر هذا الفرض نتيجة لتطبيق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) فلابد من أن يحدد المشرع أولا السلوك المجرم والعقوبة المقررة ثم ينشر في الجريدة الرسمية ويصبح نفاذا في حق الأفراد. فإصدار شيك بدون رصيد لم يكن سلوكا مجرما إلا بعد صدور القانون الذي يجرم هذا السلوك ويعتبره جريمة ويحدد له عقوبة.
الفرض الثاني: إباحة سلوك كان من قبل مجرما
ينطبق هذا الفرض علي ما يسمي بأسباب الإباحة، فعلى الرغم من أن القتل جريمة وله عقوبة حددها القانون إلا أن الشخص إذا ارتكب جريمة القتل دفاعا عن النفس فإنه هذا السلوك لا يعتبر جريمة. وأيضا الأب الذي يقوم بضرب ابنه فلا يعتبر مرتكبا لجريمة ضرب وذلك لأنه يقوم بتأديب الابن.
الفرض الثالث: تعديل قواعد القانون الجنائي
الأصل : عدم رجعية القانون الجنائي أي سريان القانون الجنائي بأثر فوري ومباشر. ويقصد بذلك أن القانون الجنائي لا يسري علي الأفعال التي ارتكبت قبل صدوره.
الاستثناء: تطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي إذا كان أصلح للمتهم
يمكن سريان القانون الجنائي بأثر رجعي إذا كان أصلحا للمتهم فمتي يكون القانون الجديد أصلح للمتهم؟ إذا توافرت أربعة شروط : 1- أن يكون القانون الجديد أصلح للمتهم وهو يكون كذلك إذا قرر للمتهم عقوبة أخف عن العقوبة المقررة أصلا. 2- أن يصدر القانون الأصلح قبل الحكم النهائي.3- ألا يكون القانون الجديد محدد المدة (لأنه لو استفاد المتهم هنا فسوف يضيع الغرض المقصود من القانون) . 4- أن يكون القانون نافذا.
يكون القانون أصلح للمتهم في الحالات الآتية:
الجنحة أصلح للمتهم من حيث التكييف من الجناية والمخالفة أصلح له من الجنحة
العقوبة الأدنى في سلم العقوبات أصلح للمتهم من العقوبة الأعلى.
إذا كانت العقوبة سالبة للحرية فالعبرة بالمدة الأقصر وإذا كان العقوبة الغرامة فالعبرة هي بالمبلغ الأقل.
وقف تنفيذ العقوبة أصلح للمتهم من تنفيذها.
تخيير القاضي بين عقوبتين أصلح من أن تكون العقوبة وجوبية.
قضية تطبيق علي سريان القانون الجنائي من حيث الزمان
ارتكب (أ) جريمة سرقة أموال ومنقولات مملوكة للدولة وكان ذلك في ظل القانون رقم 35 سنة 1972 الذي قرر للسرقات الواقعة على مال مملوك للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن. في حين يعاقب المشرع على السرقة بوجه عام بعقوبة الحبس الذي لا تتجاوز أقصى مدته سنتين. تم القبض على (أ) وقدم للمحاكمة ، وقبل الحكم عليه نهائيا صدر القانون رقم 63 سنة 1975 ملغيا للقانون رقم 35 سنة 1972 السابق، وبذلك أصبحت عقوبة الحبس هي العقوبة المقررة قانونا للجريمة التي قارفها(أ).
وضح ما يلي مدعما إجاباتك بالأسانيد القانونية :
أولا : ما هو الوصف القانوني للجريمة التي ارتكبها أ بالنظر إلى جسامتها ، وذلك في ظل القانونين رقمي 35 سنة 1972 و63 سنة 1975 .
ثانيا :أي القانونين المشار إليهما يكون لزاما علي القاضي إعماله في واقعة الدعوى المطروحة.
ثالثا: هل يختلف رأيك السابق لو كان القانون رقم 63 سنة 1975 لم يلغ القانون رقم 35 وإنما عدل فقط من عقوبته وجعلها الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات
0 التعليقات:
إرسال تعليق